وسام رشيد
بعد فوز قائمة الكتلة الصدرية على كافة قوائم المكون الشيعي، والبارزاني عن المكون الكردي في العراق،افرزت هذه الانتخابات أيضاً تثبيت زعامة اخرىً ولأول مرة في التأريخ السياسي والأجتماعي للمناطق السّنية في العراق، يتفق الغالبية العظمى لسنّة العراق العرب على رجل واحد ومبايعته زعيماً بلا منازع، وهو زعيم تيار تقدم ورئيس البرلمان السيد محمد الحلبوسي.
كنت استمع مراراً عن قوة وسيطرة الزعيم البارزاني، واستجماعه غالبية مراكز النفوذ السياسي والاجتماعي في كردستان بشكل واسع، وكنت استمع ايضاً الى ان استقرار المناطق السنية بحاجة لولادة زعامة، يلتف حولها المتخاصمون، ويقوى بها المتفقون، لتكون محوراً ضمن المحاور الكبرى في العراق اذا ما افترضنا ان لدى الشيعة مؤسسة دينية يرتمون في ظلها حال ان تسوء اوضاعهم وتتدهور سياساتهم لينتعشوا بوحدة الهدف والقرار من خلال رؤيتها وربما لمجرد رمزيتها.
وقبل عامين تقريباً قال لي الناشط السياسي المعروف زيد الطالقاني ان محمد الحلبوسي هو برزاني السّنة وزعيمهم القادم، ولم اخفي استغرابي حينها اذ لم تتوفر لي رؤية كما توفرت لغيري من المتابعين لهذا الشأن.
وبعد عدة أشهر شنّ مجموعة من الحرس القديم في الحزب الاسلامي وبعض القيادات المستقلة للمكون السني هجوماً عنيفا على الرجل رغم ان كل استطلاعات الرأي والرصد على شبكات التواصل تؤكد استحواذه على قناعات المواطنين، وارتباط ذلك بدعمهم له على تلك المنصات، حينها ادركت ان حركة التأريخ والازاحة الجيلية قد بلغت حدها الذي انطلق منه الزعيم الجديد.
وحقّ للمتحدث بإسم قائمة تقدم الفائزة بإنتخابات منذ ايام ان يفخر بالقول” اعدنا الاعتبار للمكون السني” فقد تحقق مالم يستطع اي تيار أو حزب منفردين او مجتمعين على تحقيقه حتى في ظل الاصطفاف المذهبي والطائفي والاحتقانات السياسية على اساس المكوّن والمذهب.
الفوز تحقق بخطاب ومثال وطني، وصراحة سياسية لم يعتدها جمهور السّنة، اذ كانت حملات المرشحين في هذا الكيان تمتاز بالواقعية، وطيّ الماضي، وترك العُقد القديمة والتطلع للبناء ومزاحمة المدن المتطورة، كانوا يتحدثون عن كردستاني ثانية، وزاخو ثانية، وايمن بلا انقاض، ولم يتحدثوا عن حقوق السّنة الضائعة او التمثيل المكوناتي المغتصب في بغداد، ولم يذكروا فلول البعث وأجهزته القمعية المنحلة، وعودتهم لوظائفهم.
كانوا عمليين ينظرون لهندسة مدنهم وخلق فرص عمل لشبابهم في القطاعات العامة والخاصة، وكانوا يراهنون على الجهد الخدمي للبلديات والواقع الصحي للمدن المترامية الاطراف.
لم ارى احدهم يعوّل على المصالحة الوطنية ولم يستهلك هذا الخطاب اي مساحة في دعواتهم الانتخابية، هدفهم الاساس هو التمكن من ادوات الدولة لصناعة حياة.
التمكن من قدرات الحكومة لصناعة المستقبل، وتقديم الافضل ومنافسة الاخرين وتقديم صورة عجز عنها الاخرين.
المرحلة القادمة هي اختبار لقدرات الجميع في مواصلة تثبيت زعاماتهم، وتثبيت قدراتهم والياتهم بخدمة مواطنيهم، وهو اختبار وجود يرتبط بمصير هذا البلد ومستقبل ابنائه.