وسام رشيد
منذ بداية العملية السياسية بعد التغيير عام 2003 ، وبعد تشكيل اول حكومة عراقية انتقالية منتخبة، ترددت أسماء كثيرة في وسائل الإعلام وبشكلٍ متصاعد، موالين ومعارضين، وفي المنصات الإعلامية والساحات السياسية، بالضد، ومع، الطبقة السياسية التي بدأت تحكم آنذاك مع وجود القوات الاميركية، والتي كانت توصف ب”قوات الاحتلال” او “القوات الصديقة” بحسب رؤيته كل شخص ومفهومه لهذه العملية، فتجد من يحرِّض على قتالها أو يدعو للتعاون او التفاهم معها لأجل مصلحة البلاد وهكذا.
علِقت اسماء كثيرة بالذاكرة العراقية بحرب من نوعٍ آخر، حرب لم يعتد العراقيون عليها، ولم يألفوها مسبقاً، وهي قتال من نوع آخر، قتال الاخ لأخيه، والولد لأبيه.
إنها الحرب الطائفية التي اندلعت في العراق بداية عام 2004، اذ راح ضحيتها الالاف من الابرياء ومن مختلف الطوائف، وخرج منها الجميع خاسراً منكوباً مثكولاً. لم يراعى فيها الدّم وحرمتهِ، والمقدسات ومكانتها، والمصير الواحد الذي ينتظر ابناء العراق بقومياتهِ ومذاهبه.
كانت حرباً قذرة نفخت فيها دوائر مخابرات دول الجوار وغيرها، وحدثت فيها أبشع المجازر والقتل والتهجير في مناطق ومحافظات كثيرة مثل نينوى، وبغداد، وديالى، وبابل، وصلاح الدين.
وكان هناك إعلام يحرض ويدفع باتجاه النزعة العدوانية، وهناك ايضاً اشخاص يظهرون على شاشات الإعلام ليتوعدوا ويهددوا بالويل والثبور.
هناك قادة واحزاب وجهات كانت تنهش الدولة وتعارضها على اسس طائفية وعنصرية واقتصادية، ولم يكن غرضها بناء الدولة او اصلاحها بل الضغط من اجل المشاركة في اقتسام مغانمها.
وكانت اسمائهم ترد بين الحين والآخر بوصفهم قادة فصائل ومقاومون وأمراء حروب.
الكثير من هؤلاء تراجع عن تلك المواقف، وبعضهم دخل ضمن العملية السياسية واصبح جزءاً منها، والجميع يذكر ذلك، ويذكرهم كأشخاص ومؤسسات وعنواين سياسية. جلسوا بعد ان تقاتلوا، واليوم هم جزء من الوجه السياسي وملامح القيادة في هذه المرحلة، وتحدثوا، وبرعوا في محو ذاكرة العراقيين من خلال طرح رؤية جديدة لمصالحة وطنية أو تغيير وفي التكتيكات السياسية التي تنظر مصلحة الوطن وتبتعد عن كل الاجتهادات الشخصية، لكن الكثير منا يقول دائما : ربما كان عليهم غير ذلك، كأن يقولوا كنا مخطئين؟
هكذا بدى المشهد اليوم فبعض قادة الحروب هم قادة البلاد السياسيون الذين باتوا على ابواب الانتخابات السادسة متحابين متحالفين.
ويمكن القول أنهم تجردوا من الصفات الخُلقية، فلا أحد منهم يحترم مشاعر العراقيين في كل الاماكن وعلى اختلاف الوانهم وعقائدهم.
الذرائع التي سيقت اثناء المعارضة للعملية السياسية منذ بدايتها، كانت الزاماً لهم بعد ذلك؛ إذ انهم فشلوا في تقديم نموذج للنجاح، وكرروا اخطاء من سبقوهم، ولم يتغير واقع المواطن بل ازداد سوءاً، وسرعان ما انغمسوا مع من تقاسم الكعكة مراراً، وجزء من التحاصص والفساد.
نحن مع المسامحة والتعايش والمصالحة من الذات ومع النفس، لكن هذه الاشياء تكون لصالح الوطن ولغرض البناء وعبور المرحلة، لا أن يتم ذلك لأجل التحالفات والمناصب.
فالنيّات تصنع المعجزات، والشعب يتطلع الى وجوهٍ جديدة غير مستهلكة، في الواقع، ولا تبحث عن مصالح فردية.
وجوه تملك تجربة تتبلور فيها صورة للنجاح والتقدم، وتنفض عن هذا الشعب غبار حرب الولد لأبيه والأخ لأخيه.