وسام رشيد الغزي
عبّرت احتجاجات تشرين وما سبقها من مشاهد الغضب والرفض عن هواجس شريحة كبيرة من ابناء الشعب العراقي، والذي خرج في اوسع مظاهرة بتأريخ البلاد استمر نحو عام كامل، كانت اولى اهدافها ضرب الفاسدين، والقضاء على ادواتهم، وتكبيل شخوصهم، وفض مراكز قوتهم المنشرة في مختلف الساحات السياسية والاقتصادية والتجارية والخدمية، في داخل البلاد وحتى خارجه.
توحدت رغبات جمعية متحمسة لتقويض عوامل الخروقات القانونية والادارية التي اعتادت عليها الكثير من مؤسسات الدولة، دون رادع فعلي وعملي، او اجراءات صارمة تحد من التجاوزات التي اسست لان يكون الفساد ظاهرة عامة عطلت مسيرة البناء، وجرّفت القيّم الايجابية للمجتمع العراقي من شماله الى وسطه وجنوبه.
مراكز قوى تنامت في كثير من الاجهزة الحكومية توافقت مع حركات سياسية وتيارات متحالفة مع مؤسسات اعلامية ضخمة، فتحولت الى امبراطوريات وممالك ضخمة ومترفة، تتحكم في جزء من ثروات البلاد، يدعمها محتوى رقمي ممول على منصات التواصل الاجتماعي، حتى اصبحت هذه الظواهر عبئاً ثقيلاً تعاني منه الدولة، ويدفع ثمنه الشعب العراقي في مختلف المحافل.
ومن هذه المنطلقات الهامة، ونتيجة للمسؤلية الاخلاقية والتأريخية لجهات محددة ضمن تشكيلات الحكومة والدولة في السلطة التشريعية التي دفعت بشكل كبير نحو اتخاذ اجراء يحد من هذا التفشي غير المنضبط بمحددات الدولة والقانون وحتى الاعراف السياسية المعتمدة.
التفاهم العميق بين رئيسي مجلس النواب ومجلس القضاء الاعلى الذي ظهر في تصريحات السيد زيدان في احدى الفضائيات قبل ايام، ساهم بتوفير اجواء ايجابية للجهة التنفيذية المكلفة بالتحقيق والكشف عن ملفات سرقة وهدر اموال الدولة، واستغلال النفوذ، وبمساندة وتفاعل واضح من السلطات القضائية، ولضرورات حتمية الاصلاح، والتغيير في تكتيكات الحكومة، وتأسيس مجلس مكافحة الفساد بالامر الديواني 29 والذي كان له دور كبير في تأسيس مجموعة متناغمة ومحترفة من المحققين في مجال مكافحة سرقة اموال الدولة، وبصلاحيات استثانية، بدأت بفتح ملفات مهمة تخص الطاقة والصناعة والتجارة وبعض الهيئات العمومية.
ضرب الخط الثاني من قادة ورموز الفساد هو بادرة مرضية ونقطة تحول في سياسات السلطات الحاكمة التشريعية والقضائية والتنفيذية، وهي اجراءات مدعومة الى حد كبير من قبل عامة الناس، حيث استشرى الامل في امكانية ايقاف هذا النزف الخطير في جسد الدولة والحكومة والشعب.
عملية واحدة بحجم القاء القبض على جمال الكربولي واحد مساعديه بعثت الامل في نفوس المواطنين، وزرعت مساحة واسعة من الثقة في الاجهزة التنفيذية للدولة، بعد سبات محسوب، واضطراري استغرق سنوات.
جمال الكربولي هو نموذج لمجموعة كبيرة من حيتان الفساد ورموزه المنتشرين داخل الوزارات والمكاتب الاقتصادية لبعض الاحزاب، ورغم ان العملية منفردة تخص جهة واحدة وكيان وشخص بعينه لكنها ستؤسس لمنهج يبعث الامل في الشروع مجدداً في عملية البناء والاعمار، وترميم ما خربته تلك الجهات المتخمة على حساب خراب الوطن وسرقة امواله.
ومن الضروري الان ان يقف المواطن صوب هذا الاجراء، واشاعة مناخ يساعد على المضي قدماً بتفتيت مقومات الفساد، وان تشمل هذه التحركات جميع النقاط السوداء على خارطة الوطن، دون الالتفات الى الى المذهب او القومية وعلى كامل التراب الوطني.
دور الاعلام الفردي في الدعم بدى كبيراً منذ الاعلان عن الاطاحة بالكربولي، وتبلور هذا الدعم في عدة صور قد تشجع الاداء الحكومي على الاستمرار، فهذا الدعم يدفع بالارادة السياسية للكتل والاحزاب ان تتعامل بواقعية مع تطلعات الشعب العراقي، والخلاص من بؤر التخريب وسرقة المال العام والتي اساءت كثيراً للعراق شعباً وحكومة ودولة.