بانوراما/
تونس- حمدي العطار
في زمن تتنازع فيه الأمة العربية بين الألم والأمل، تأتي المبادرات الثقافية كنافذة مشرقة تُبقي الروح متقدة، وتُعيد صوغ الحلم العربي المشترك بأدوات الفن والكلمة. من هذا المنطلق، شهد مهرجان “نور تونس” للثقافة والإبداع مشاركة مميزة لوفد من جمعية الأدباء الشعبيين في النجف الأشرف، مقدّمين عملاً فنياً جامعاً بعنوان “بانوراما الحلم العربي”، مزج بين الشعر والغناء والرؤية القومية.
*المتن
فوجئ الحضور في مهرجان “نور تونس للثقافة والإبداع” بتقديم عرض فني أدبي مميز حمل عنوان “بانوراما الحلم العربي”، من إعداد جمعية الأدباء الشعبيين في محافظة النجف الأشرف. وتشير كلمة “بانوراما” ذات الأصل اليوناني إلى “المنظر الواسع”، وهو ما سعى المشاركون إلى تجسيده من خلال توظيف عناصر متعددة أبرزها الشعر الشعبي والغناء والصور المتلفزة لعرض مشهد فني شامل يتناول الحلم العربي المشترك، وتحديداً قضية فلسطين وصمود أهل غزة.
شارك في العمل نخبة من الأصوات الأدبية والفنية، من بينهم الشاعر جواد الكلابي رئيس الجمعية، والشاعر طه الأسدي، إلى جانب الشاعرة الفلسطينية رولا اشتيه، والباحثة الإعلامية الدكتورة هناء رحيم جاسم، بمرافقة حفيدتها. حملت هذه البانوراما رسالة واضحة تدعو إلى توحيد الكلمة والموقف العربي لنصرة القضية الفلسطينية، وتأكيد الدعم لصمود غزة وأهلها الأبطال.
القصائد المشاركة:
قصيدة “غيرة موطني” – طه الأسدي:
قدّم الشاعر طه الأسدي قصيدة شعبية حملت عنوان “غيرة موطني”، عبّر فيها عن فخره بانتمائه لأرض الجنوب، مشحوناً بالوطنية والفداء:
إنه ابن الجنوب وريحة المشخاب
طرف إعصابه إيحرك إحساسي
أوردهم منايه وخوف يسبك خوف
أو بإعلان الحرب خل تدك أجراسي
…
عراق حسين هذا وكافل الحوراء
وما يخسر وطن بجفوف عباسي
القصيدة تنضح بالحماس والولاء، وتحاكي القيم الدينية والوطنية كدافع للمقاومة والدفاع عن الأرض، بأسلوب شعبي مباشر يخاطب الوجدان.
*قصيدة “غربة جرح” – جواد الكلابي:
أما الشاعر جواد الكلابي فاختار أن يعبّر عن معاناة الاغتراب في قصيدته “غربة جرح”، التي حملت الكثير من الشجن والحنين:
يا غربة جرح ملجوم
تعبانه الدروب ولا ضوه ومصباح
يالمسافر بروحي وابد ما مرتاح
…
غروب الشمس يوجع يلم كل الشوك
كالو طاح حيله ولا أبد ما طاح
القصيدة اتسمت بلغة عاطفية مؤثرة، تلامس مشاعر الغربة والوحدة والوفاء لمن غاب، وتُظهر طاقة شعرية بارعة في التوصيف والتصوير الوجداني.
*تعليق أدبي على الشعر:
القصيدتان تعكسان ثراء الشعر الشعبي العراقي وقدرته على التعبير عن القضايا الوطنية والإنسانية بأسلوب صادق وعفوي. قصيدة “غيرة موطني” جسدت الحماسة والانتماء بقوة التعبير، أما “غربة جرح” فغاصت في وجع الغربة والخسارة، بأسلوب وجداني عميق. كلا القصيدتين تنتميان إلى الشعر الشعبي العراقي الذي يتميز بالإيقاع الحي والصور القريبة من الحياة اليومية للناس.
*خاتمة
لقد جسدت مشاركة جمعية الأدباء الشعبيين في النجف الأشرف بمهرجان “نور تونس” روح التلاحم الثقافي العربي، ورسّخت دور الشعر الشعبي كأداة فنية فاعلة في التعبير عن قضايا الأمة، وفي مقدّمتها فلسطين. إن “بانوراما الحلم العربي” لم تكن مجرد عرض فني، بل صرخة شعرية تدعو إلى وحدة الكلمة والموقف، وإيمان راسخ بأن الثقافة جسر عبور نحو وعي جمعي متجدد.