Menu
in

الأنبار : خطوات جادة لقيادة المكوّن

وسام رشيد

لم تكن بالحسابات المنطقية والعلمية لتسلسل الأحداث بعد عام 2003 في محافظة الأنبار أن يكون هناك تحوّل إستراتيجي بنّاء في سيّر العملية السياسية في هذه المدينة، وذلك بسبب البيئة الداخلية لأبنائها، والتي تراكمت عبّر سنين من خلال تصدرها بقيادة الأحداث في العراق، وإن أي تغيير يطرأ بحاجة الى أسباب عملية، وأفكار ممزوجة بسلوكيات، وتجارب مقرونة بشخصيات ذات بُعد مُكوّن للقرار السياسي في بغداد وعموم البلاد، ولم تُستهلك شعبياً كقادة المحافظة الحزبيين الذين إهتموا ببناء مستلزمات بقاء السلطة وأدواتها، دون الركون لخطة إستراتيجية تنهض بالواقع السياسي والإجتماعي والإقتصادي في المدينة، والسيّر بعملية تحوّل جذري تكون قاعدة إنطلاق لقيادة مكوناتية، ضمن الحالة المتعارف عليها في النجف، وأربيل، حيث أخفقت تلك الحكومات المحلية، والممثلة في سلطة المركز منذ عام 2003 الى عام 2014 مع توفر الفرص بتَبني نهج عملي نابع من قدرات حقيقية متمكنة من ثقة شرائح المجتمع أولاً، والوجاهات الشعبية، والزعامات العشائرية، ورغبتها في بلورة كيان واحد تستظل به كل المسميات الأخرى، وبشكل نسبي، كيان يمثل مرجعية سنية تنصهر فيها الخطابات المتلونة، بل والمتصارعة في كثير من مراحل تلك الحقبة، والتي أسست لفراغات أمنية إستطاع من خلالها الإرهاب بالتسلل، وإستثمار تلك البيئة، بدواعي مذهبية ومناطقية وعقائدية كانت رائجة على عموم مساحة الوطن العراقي.
لقد بانت ملامح تلك المعادلة الهادفة بعد تحرير الأنبار بسرعة كبيرة وغير متوقعة، فقد تهيأت فرصة أخرى تحولت فيها رغبات الناس وتطلعاتهم الى مطالب، وظهر سلوك مجتمعي جاد يفرض رؤية جديدة ومنفتحة ومسؤولة، لتطوير المنظومة الإجتماعية القادرة على القيادة، وإفراز دور سياسي مختلف بنواحي الأداء والتفكير، والتعاطي مع الأحداث، مما خلق طبقة سياسية جديدة وشابة، خارج المشهد القديم والمشوّه للكوادر المتصدرة، تبعها جمهور واسع مشحون بطاقات إيجابية إستثنائية، لتعويض سنوات طويلة من الإقصاء والتخبط وهدر الثروات، وإخراج المحافظة من سكة التجاذبات والمماحكات الإقليمية.
الأنبار تمتلك موارد بشرية وإقتصادية هائلة ونتيجة الشروع في إستثمار تلك الموارد بشكل صحيح ومواصلة حملات الإعمار، وتضميد جراحات الماضي المفجع، فإنها بذلك تستعد أن تخطو لتكون محور تجتمع حوله جميع القوى الممثلة للمكون السُني، وتملك تأثير موازي لعواصم المكونات الأخرىٰ، شريطة الإستمرار بالنهج المدني المستوفي لمصلحة المواطن أولاً، لان عملية كسب ثقة المواطنين ترتبط بشكل مباشر بمقدار التأثير الإيجابي في المناخ السياسي والمجتمعي، ويرتبط هذا بدوره بتوفير أجواء آمنة، وصحية، لصهر الإبداعات الشابة والأفكار الجديدة وحمايتها ضد تدخلات الآخرين التي لا زالت تبحث عن ثغرات وفرص للإنقضاض على هذه التجربة الناجحة والمطوّرة، حسب إنطباعات وتغرديدات شباب تلك المحافظة المستمرة على منصات التواصل الإجتماعي، الوسيلة الإعلامية الأبلغ والأسرع في معرفة هواجس العامة وتطلعاتهم.