بقلم/ محمد القريشي
رحل الامام الحسين شهيدا وترك خلفه آلام وأحزان وشجون تشكل جمرة في أعماق اتباعه تتوهج كل عام بذاكرة مشاهد المحنة ورمزيات البطولة… ولكن ما هي دلالات تلك الذاكرة؟؟ وما هي أهميتها؟؟
عندما نتحدث عن الطقوس والذاكرة فإننا نتحدث عن واقع مجتمعي يتّسم بالتغيّر السريع ( كأي مجتمع متحرك زمنيا) ولكنه يشهد في الوقت ذاته زخما طقوسيا في فترات معينة تعطي للوقت (معنى). وهذا (المعنى) بالذات هو اهم تجليات ثورة الحسين (ع).
المجتمعات التي تُمارس طقوسها بانتظام يكون الزمن فيها معاشا وفق إيقاعات وأشكال من التحقيب يختلف فيها الزمن الفردي (عيد الميلاد، الزواج…) عن الزمن الجماعي ويكتسب الاخير دلالات موحـدَةْ للجماعة . ما يميز الطقوس هو تكرارها من قبل ممارسيها خلال أزمنة مضبوطة، لإحياء واقعة مضت وهي برمزيتها المشحونة بالقيم ضرورية لانها تشبع( حاجة / حاجات) في حياة الجماعة من خلال : الشحن الرّمزي والتكرار.
بفضلها يتمّ شحن الزمن بالقداسة، وتستعاد وقائع التاريخ المقدّس كما يجسده المتخيّل الجمعي وبفضل استرجاع وقائعها ورموزها يتم تثبيت وإحياء أحداث ملهمة رمزيّا في حياة الجماعة والأفراد وتشكل رافدا هاما من روافد الذاكرة الجماعية المُنْعَشَةْ بالرمز والمعنى، وتمكّن المنخرطين في ممارسة الطقوس أن يعيشوا في زمنين اثنين معا: زمن أسطوري متخيّل وزمن فيزيائي حقيقي . وعند التقاء الزمنين: المتخيّل والحقيقي يوقف الزمن المتخيّل الزمن الحقيقي
وينشط العقل الجماعي في ابتكار اليات متجددة لإدامة الطقوس..ولكن التقاء الأزمنة وحده في محطة واحدة غير كافي (فالمكان) له دور كذلك ..
نعم … تتم ممارسة الطقس عادة ضمن اطر مكانيّة محددة ( مراقد الأئمة ) وهي وفق ذلك تشكل فضاءات رمزية مقدسة مما يؤدي الى توهج (المعنى) وتجييش ( الذاكرة) وإثارتها، حيث يرتبط حاضر اتباع الحسين (ع) بماضيهم (الحقيقي والمتخيّل)، وتستفيق الذاكرة ويشحن الوجدان الجمعيّ، وهو ما يحول ذاكرة ثورة الحسين الشهيد (ع) المتجددة سنويا الى محطّات “يُـتزوّد” فيها اتباعه بشحنات (المعنى والقيم ) ويتم فيها كسر الرتابة التي يفرضها عليهم الزمن اليومي المعتاد..
ولكن هل تتحدد ممارسات الطقوس ( بالمعنى فقط ) ام تتجاوزه لتحويل المعنى الى قيمة مادية ( ( فعل سياسي – فعل أنساني – فعل أجتماعي وغير ذلك ) تؤثر في حاضر الجماعة ومستقبلها ؟؟؟؟ هذا هو التحدي الكبير !!!!
الجواب هنا : نعم … استطاعت الجماعة في مراحل مفصلية من حياتها من تحويل ( المعنى ) الى فعل تجلى ذلك مثلا في صراع اتباع الحسين الوجودي مع عصابات داعش وأنقذت الوطن ، وتجلى كذلك في تضامن سكان مدن الوسط والجنوب بإغاثة المهجرين من مدن وبلدات الشمال بعد الغزو الداعشي دون النظر الى طوائفهم وأديانهم وتجلى في حالة الأمن التي ينعم بها اتباع الأديان والطوائف المختلفة في بيئات اتباع الحسين (ع) وغير ذلك …
..
ولكن التحدي الذي ينتظر اتباع الحسين الشهيد لا يكمن في (البقاء على قيد الحياة) بل في تحقيق ( حياة افضل) ودخول ساحة التباري ( والتباهي بالقيم ) مع الامم الاخرى…، هذا التحدي !!! …
أهمية نجاحات اتباع الحسين المشهودة بتوظيف ( المعنى ) في صناعة الحدث اقل بكثير من زخم ( المعنى ) الذي تبثه ثورة الحسين في كل عام وهم يقفون آليوم امام تحدي وجودي كبير يتجسد في حالة ( اللادولة ) وتجذر الفساد ورموزه في بيئتهم وأعادة مشاهد عطش الحسين وأهل بيته ( على سبيل المثال ) بهيئة عطش جماعي كأثر من اثار الفساد كما يحدث في البصرة وغيرها من المدن..
نجح الحسين (ع) في اعطاء الزمن قيمته الإيجابية المشحونة ( بالمعنى ) فهل ينجح اتباعه في تحويل ( المعنى ) الى ( فعل حاسم ) من خلال القفز من حالة ( المراوحة في الحياة ) الى ( الحياة الافضل ) التي تُسعد الحسين (ع) في مقام خلوده ؟؟؛