Menu
in

كيف تم قراءة الكتابة المسمارية البابلية

نقش بهستون المدون على جبل قره داغ بمدينة كرمنشاه بإيران ، كتب بثلاث لغات هي الفارسية والعيلامية والبابلية ، وهو يؤرخ لزمن الملك الاخميني داريوس (دارا الاول ٤٨٦- ٥٢٢ للميلاد) والذي كان اساسا لحل الكتابة المسمارية.

بدأت الخطوات الأولى لحل رموز الخط المسماري من خلال الزيارات والرحلات التي قام بها الرحالة الأوربيون إلى الشرق. كان اولهم هو الايطالي (بترو ديلا فاله) الذي زاره إطلال مدينة برسيبوليس عاصمة الدولة الاخمينية التي شيدها داريوس الكبير في إيران ، فعثر على أجرة مكتوبة بكتابة مسمارية ، كما استنسخ بعض الكتابات ، وقام بنشرها في أوروبا. ثم قام العالم الدنماركي (كارستن نيبور) باستنساخ بعض كتابات برسيبوليس ونقلها إلى أوروبا عام ١٧٦٥، والتي كانت تتألف من ٤٢ علامة ، والتي تم البرهنة لاحقا من قبل العلماء ان كتابات برسيبوليس كانت تتألف من تمثل ثلاث لغات مختلفة (البابلية، العيلامية والفارسية). في عام 1802 تمكن العالم (مونتر) من اثبات كون كتابات برسيبوليس تعود إلى الامبراطورية الأخمينية (559-331 ق.م)، وأن لغتها مشابهه إلى لغة الكتاب المقدس عند الزرادشتيين المعروف باسم (أفستا) ، كما استطاع إن يحدد العلامات التي تؤلف كلمة “ملك” ، وبما ان اللغة الفارسية القديمة كانت معروفة بالنسبة للباحثين من خلال دراسات الفرنسي دوبيرون الذي تعلمها من بقايا الزرادشتيين الذي هاجروا من ايران الى الهند وكانوا ما يزالون حتى القرن التاسع عشر يقرأون كتابهم المقدس بلغته القديمة. اما النص الفارسي من كتابات برسيبوليس الذي كان يضم ٤٢علامة مسمارية تمثل حروفا هجائية وليس كتابة مقطعية ، فيعود الفضل بترجمته الى العالم الالماني گروتفند الذي تمكن من قراءة أسماء الأعلام وألقابهم المدونة باللغة الفارسية القديمة من خلال دراسة المؤلفات الاغريقية التي ذكرت ان الملك الذي بنى برسيبولس هو داريوس الكبير(522-486 قبل الميلاد) وبالتالي بما ان كتابات برسيبولس كتابات ملكية فهي تبدأ باسم الملك ، وبذلك تمكن من ان يعرف اسم الملك داريوس ولقبه واسم ابيه ، وبهذا تمكن گروتفند عن طريق اسماء الاعلام من ترجمة اغلب الاحرف الفارسية المسمارية لان هذه الحروف قليلة وتتكرر باستمرار في النص. لكن كتابات برسيبوليس لم تساعد الباحثين من معرفة كل القيم الصوتية للعلامات المسمارية وهنا جاء دور العالم والضابط البريطاني (هنري رولنسون) الذي قام بمحاولة عام ١٨٥٣م عندما استنسخ بعض النصوص القصيرة ، إضافة إلى استنساخه اهم نصوص الدولة الاخمينية وهو (نقش بهستون) ، وبما ان العلماء كانوا يعرفون الخط المسماري الفارسي لذا استخدموا هذه المعرفة في ترجمة النصين العيلامي والبابلي بالتعاقب.

اما النوع الثالث من الكتابة المدون باللغة البابلية فكانت محاولات حله متعبة للغاية ، حيث لاقى العلماء صعوبات كثيرة بسبب تدوينها بعلامات مقطعية تزيد عن (٥٠٠)علامة مسمارية ، ولكن ظهر ما يساعدهم على استكمال حل ما تبقى من الكتابة المسمارية بسبب تزايد الحصول على الرقم الطينية من صنف المعاجم اللغوية التي تكتب فيها الكلمة باللغة الاكدية ومقابلها لفظها السومري ، وقد تمكن العالم (هنكس) عام ١٨٤٧م من تحديد أسماء الأعلام ، وكذلك توصل إلى معرفة تشكيل العلامة من حرف علة زائد صحيح أو بالعكس . وهكذا توصل العلماء أخيراً إلى حل رمز الخط المسماري المدون باللغة البابلية وبالرغم من النتائج الحقيقية التي توصلوا إليها الا ان الشك بقي موجودا حول صحة تلك القراءات ، لذلك ارتأت (الجمعية الملكية الآسيوية) في لندن قطع الشك باليقين فقامت بتوزيع نص لم يقرأ سابقا لكتابة آشورية تعود إلى الملك الآشوري تجلاتبليسر الأول (١١١٥ق.م) على أربع من أبرز الباحثين والعلماء بالعالم آنذاك ، لترجمة ذلك النص كل على انفراد ، وبعد شهرين وصلت النتائج وكانت القراءات متقاربة ، وبهذا أقرت المحافل العلمية الاعتراف بمولد علم جديد أطلق عليه اسم علم الآشوريات.

Leave a Reply