Menu
in

انا والسفير الأردني ومجموعة سفراء ومثقفين !!.

على ضوء طلب مغادرة امريكا العراق :-

بقلم :-سمير عبيد
قبل سنوات غادرت دولة أوربية أقيم فيها الى دولة أوربية أخرى وأقمت فيها عاماً كاملا ضمن سياق العمل . وهناك تعرفت على بعض الرموز العربية والعراقية المقيمة في تلك الدولة .وفي يوم من الأيام دعاني صديق عربي وهو بروفيسور طبيب بأن أذهب معه لحضور مناسبة اليوم الوطني الأردني في السفارة الأردنية فرفضت. ولكن بعد الالحاح منه ومن بقية الأصدقاء ذهبت هناك.
وللأمانة كان احتفالا منظماً. وكانت البعثة بمنتهى الاناقة والدبلوماسية والكرم .ناهيك ان السفير الأردني كان بعمر ال ٤٨ عاماً تقريبا وكان ذكيا متقداً وفِي السابق كان قد عمل بأماكن حساسة جدا عرفت ذلك من صديقي ناهيك انه من أسرة مشهورة ومعروفة ومقربة من القصر الملكي .. .ولا أخفي أهتمام الرجل بي شخصيا عندما علم أني عراقي ولحسن الحظ كان قد شاهد بعض لقاءاتي التلفزيونية في قناة الجزيرة الفضائية وأثنى على مواقفي .
وأثناء الحفل شاهدت السفير همس باْذن صاحبي البروفيسور. فكانت مهمتي الانتباه والرصد والمراقبة لأني أول مرك ادخل للمكان هذا ، ومن ثم لم أعتاد اطلاقا على تلبية دعوات السفارات العربية والخليجية وغيرها ( لدي حساسية وحذر من ذلك ولا زلت ) …وعندما بدأت خواتيم الحفل قال لي البروفيسور سنبقى بعض الوقت لأن السفير يريد يجلس معنا. هنا بدأت الشكوك تتسرب لذهني وبدأت غير مرتاح ودارت اسئلة كثيرة في رأسي.ولكن عليّ القبول أحتراما !.

السفير ونحن :-
وبالفعل بقيت أنا وبعض العراقيين وهم اساتذة وأطباء ونخب محترمة ومعهم مثقفون وأطباء ودبلوماسيين عرب وخليجيين .فأخذ السفير يهتم بِنَا فقط ودار الحديث عن العراق وتفاصيل ملفاته

فسألني السفير الذكي جدا :-

لماذا فعل جماعتكم بالعراق وبأنفسهم كل هذا ، لماذا ضيعتم فرصة لم تأت لبلد عربي قط..لا بل لن تأت ؟

ج:- قلت له جماعتنا من؟ وماهي الفرصة التي ضيعناها ؟

أجابني :- أقصد الحكومة العراقية بأكثريتها الشيعية والفرصة هي أن امريكا كلها عندكم !!!.
ج:- قلت له وضح أكثر سعادتكم !!،

قال السفير :-

هل تعلمون أننا كم نتوسط للأميركيين عبر لوبيات أردنية ولوبيات صديقة وعبر اغراءات كثيرة ،وكم نتوسل بالاميركيين لكي يوافقوا على أرسال مدرب او خبير او خبيرين أميركيين او ترسل بعثات تدريبية للأردن!؟ وكم تتوسل دول الخليج والدول العربية وكم تعطي أموال وتنازلات لكي توافق أمريكا بارسل خبراء ومدربين او تفتح ورش وفروع شركات في تلك الدول ورغم شروطهم المجحفة والمكلفة !!!؟

واردف :-
وأنتم ياعراقيين تأتي اليكم كل أمريكا ومؤسساتها وجميع خبراءها ومدربيها وقواعدها وشركاتها وفروعها ويطالبونكم بالتدريب والاستفادة والبناء والصداقة الدائمة تخرجون عليهم وضدهم وتقتلوهم وتمنعون مشاريعهم في بلدكم ولشعبكم…ليش ليش ليش ما تبنون بلدكم !!!!!!؟

واردف أيضا:-
أنتم كدتم أن تصبحوا كوريا الجنوبية بالضبط بحيث سيكون العراق بعشر سنوات مغادر لمنظومة الشرق الأوسط ومثلما غادرت ماليزيا منظومة دول شرق آسيا وباتت دولة عالمية.. وبعشرين سنة سوف يصدر العراق كل شيء الدول العربية وحتى السيارات والمعدات ….لماذا فعلتم بأنفسكم وببلدكم كل هذا؟ والله قلبي يحترق على العراق ألذي أحبه والكلام له !!!.

قلت.. اسمح لي أن اعقب على كلام سعادتكم :-

١- اشكركم على حبكم للعراق وحرصكم عليه وسعادتكم تعلم كل خير يصيب العراق لكم ربعه وربما ثلثه ….واسمح لي بقول الصراحة ..أن حسد الدول التي ذكرتها(لم اسمي دول الخليج لكي لا أحرج الدبلوماسيين الخليجيين الدين كانوا جالسين !!) دفعها لكي تعبث بالعراق وتصرف مئات الملايين من الدولارات لكي لا يصبح العراق نمرا عربيا شرق اوسطيا وكله حسدا وتنسيقا مع اسرائيل … بدليل ليس في العراق تطرف وأحقاد وطائفية، ولكن تأججت بفعل أشقائنا وجيراننا وأموالهم الضخمة وإعلامهم الموجه فتهيأت الأجواء فصدروا لنا ارهاب القاعدة ثم أسسوا في العراق مشروع ( أفغنة العراق ) ودخل العراق في أتون العنف والعنف المضاد ولأول مرة في تاريخه !.

٢- أمريكا نفسها لم تبدي حسن النية الحقيقية مع العراق والعراقيين واقصد لم تباشر بترتيب وضع العراق وجعله صندوق محكم لكي لا تتدخل الدول ولكي لا يدخل الاٍرهاب عبر الحدود .. بل تركت العراق لعامين ونصف سائب الحدود بعد حل الجيش العراقي بأمر اسرائيلي لكي لا ينهض العراق ويصبح هو قائد المنطقة بدلا من اسرائيل !!.

٣- ثم اليس هي امريكا من دعم وسلّط الحكم الثيوقراطي والدينقراطي على العراق والعراقيين ،أو ليس هي امريكا من وفرت دويلة بمواصفات أوربية اسمها المنطقة الخضراء لهؤلاء الذين تقول عنهم فاسدين وكارهين للحرية والديموقراطية .اوليس امريكا هي التي سكتت عن الطائفية وحربها الطاحنة في العراق !!.

قال السفير :-
نعم ما تفضلت ولكن بعد أن شعرت امريكا بالغدر العراقي .أي كان الجنود والضباط الأميركيين يلعبون كرة قدم مع العراقيين بالساحات داخل المدن والقصبات والأحياء وبينهم ود ممتاز واذا فجأة يُقتلون ويطاردون من هنا بدأت عدم الثقة بين الطرفين اَي بين امريكا والشعب العراقي !!.

واردف قائلا :-
نعم ان العراق مكسور الخاطر لأنه لم تبرز فيه طبقة سياسية كفوءة ولديها خبرة مابعد عام ٢٠٠٣ ..ولم تبرز قيادة عراقية ترفع شعار العراق اولا …وعندما حاولنا كالأردن دولة ومؤسسات مساعدتهم وحثهم على اغتنام الفرصة التاريخية من خلال المصالحة والمصارحة مع الأميركيين… ولكن معظم القادة العراقيين الذين يصلون للتباحث معهم مباشرة يتركون الهدف الذي أتوا من أجله فينافقون على بعضهم البعض، ويعطوا أسرار الدولة والنظام بدون أن يُطلب منهم والسبب نقص خبرتهم كسياسيين وكرجال دولة ((هنا ايده بذلك بعض الدبلوماسين الخليجيين والعرب الذين كانوا جالسين وقالوا :-هذا حدث وسمعناه كثيرا من المسؤولين العراقيين بحيث يشكون بعضهم البعض ويتحدثون عن اسرار بلدهم وكأنهم لازالوا في فترة المعارضة !!!!.))

الخلاصة :-

١-نعتقد أن السبب ليس بأمريكا ولا في الجيران العرب والخليجيين ولا في إيران ولا في تركيا…. بل السبب بالقادة العراقيين لأنهم فشلوا في ترسيخ مفهوم الدولة وفشلوا في كسب ثقة الشعب العراقي وكسب ثقة الجيران والأميركان….وفشلوا حتى فيما بينهم وصار ضروريا ترجل المزيد منهم لأنهم السبب الاول والأخير بجعل العراق دولة الرجل المريض !!!.

٢-وايضا السبب بالشعب العراقي الذي أستسلم لهذه الطبقة السياسية وبات يُكرر وجوهها ..فالشعب هو الذي سيّدها وجعلها تعمل لمصالحها الخاصة ومصالحها الحزبية والفئوية بحيث نسجوا علاقات مع دول إقليمية وعربية واجنبية لتنمية وتقوية حكمهم وأحزابهم وجيوشهم الخاصة وتركوا بناء الدولة والبلد والمؤسسات والقانون والديموقراطية فترهلت الدولة وتفتت الشعب وبات لا يُؤْمِن هناك نظام سياسي اصلا !!!!.

٣- فبات العراق بحاجة ماسة (لنظام سياسي وطني قوي و غير فئوي وغير طائفي) ويجيد العمل للعراق والعراقيين ويسارع الى تنظيم العلاقة مع الولايات المتحدة من جديد كدولة صديقة لها أسبقية في المصالح ( وتغيير عنوان الاحتلال الى الوصال ) نعم الوصال الحميد بين الدولتين…

فليس من مصلحة العراق طرد أمريكا بطريقة الأستعداء فهذه دولة كبرى وتقود العالم .. فطردها بطريقة الأستعداء سيبقى العراق وبقرار منها ل ٤٠ عاماً تحت الحصار والقحط والجوع والعزل عن العالم مثلما حصل مع كوبا وحصارها ل ٤٠ عاماً …وفِي آخر المطاف قبلت كوبا بالعلاقات الودية والجيدة مع الولايات المتحدة !!.

٤- اليوم هو يوم الدبلوماسية العراقية النشطة وغير الخاضعة للأحزاب والعائلات الحاكمة (وليس يوم العواطف ،… والدول لا تقودها العواطف وردات الفعل العكسية والارتجالية )
——-

فالعراق ليس بحاجة للطلاق مع الولايات المتحدة ..!!!!

بل بحاجة لتنظيم العلاقة مع أمريكا .. وتصبح علاقة ندية أسوة بعلاقة الدول الاخرى مع الولايات المتحدة..وهذه مهمة البرلمان وبشرط بلغة رجال الدولة لا بلغة رجال الأحزاب والعائلات السياسية !!.

لا تكونوا سبباً بحصار وقرارات لن يتحملها الشعب العراقي المظلوم اصلا من تلك الطبقة السياسية الحاكمة !!.

———

واقولها ناصحا لكم يامن تحكمون العراق :-

حال ما تنفذ امريكا حصارها على العراق والشعب العراقي… سوف تكون معركتكم الفاصلة ليس مع امريكا بل ستكون مع الشعب العراقي وعلى طريقة انتفاضة عام ٩١ عندما هب الشعب العراقي ضد رموز ومقرات ومكاتب حزب البعث ومؤسسات النظام السابق!!!!.


وهنا لستُ معجب بأمريكا وشرها، ولستُ كارهاً لجيران العراق فهذه علاقة تاريخية ولا يمكن تغييرها …ولستُ مع مندسي السفارات والدول( نعم مع وأتعاطف وادعم مظاهرات المحرومين والمظلومين السلميين) ،ولستُ مع أية جهة …..

ولكن مع جهة المنطق والعقل والحكمة والمصلحة العراقية العليا …فكونوا رجال دولة ولو لمرة واحدة وأخسبوها صح وبمفردكم ودون تدخل خارجي !!.

سمير عبيد
٦ يناير ٢٠٢٠

Leave a Reply