in

انطوني جوكي يكتب يضادد قراءاته عبر ” موت الادب شرط لولادة الكاتب “


حيدر صبي
نشرت مجلة الناقد الأسبوعي مقالا للكاتب والناقد الادبي ” انطوني جوكي ” والموسوم ب “موت الأدب شرطٌ لولادة الكاتب”
يقول الكاتب : المقال كوّنته من اقتباسات متضادية جمعتُها على مرّ القراءات:

“الأدب يذهب نحو نفسه، نحو جوهره الذي هو التواري”
موريس بلانشو
يتسائل الكاتب والناقد انطوني جوكي ب : هل ان موت الكاتب ضرورة لولادة الادب ؟ .. يجيب الكاتب اعلى هذه السؤال بتنقلاته بين سفر المقولات الابرز للكتاب والروائيين والفلاسفة من الذين ذاع صيتهم عبر ازمان التأريخ الادبي والفلسفي والفكري ، ليقول : ” إذا كان موت الكاتب ضرورة لولادة الأدب، كما صرّح يوماً الفيلسوف رولان بارث، فهل أن بموت الأدب ــ بضياعه أو عجزه عن الكينونة ــ يولد الكاتب من جديد؟ وفقاً للناقد الفرنسي جان إيف جوانّيه، يمكن المرء أن يكون كاتباً بلا نصوص. وعلى لسان إحدى شخصياته في “مغامرات لا”، يؤكّد الروائي الأرجنتيني لويس شيتّاروني بأن “الكاتب لا يريد في الواقع أن يكتب، بل أن يكون. وكي يكون، عليه مواجهة الرهان الصعب الذي يقتضي الامتناع عن الكتابة”.
ثم يتسائل من جديد : لكن ماذا لو أن عدم الكتابة هو كتابة بوسائل أخرى، أو النتيجة المنطقية لأي مشروع أدبي ؟ فيفكك ذاك بالقول : بما أن كل كتاب في نهاية المطاف يتوق، وفقاً للروائي الإسباني إنريكيه فيلا ماتاس، إلى بلوغ اللاأدب كجوهر ما يبحث عنه، ما يحلم بشغفٍ في اكتشافه؟
عام 1975، صرّح الفنان المكسيكي أوليزيس كاريون أن “أجمل الكتب وأكثرها كمالاً هو ذلك الذي تكون جميع صفحاته بيضاء”. ومثل هذا الكتاب موجود منذ زمن سحيق في الأساطير الشرقية، وإن لم يأخذ طابعاً ملموساً ويحتل مكانه على رفوف المكتبات إلا في القرن العشرين. ولبلوغه، كان يتوجّب العبور بشخصية هرمان مِلفيل، النسّاخ بارتلبي الذي سيمتنع عن النسخ، وبرامبو الذي سيهجر كتابة الشعر، وبشخصية الكاتب النمساوي هوفمنستال، لورد شانتوس، التي سيفقد القدرة على الكلام، من دون أن ننسى الشعراء الدادائيين والسورّياليين الذين فضّلوا الانتحار على الكتابة، والفنانَين ماليفيتش وراوشنبرغ اللذين أنجزا لوحات بيضاء، والفنان إيف كلين الذي نظّم معارض فارغة، والموسيقي جون كايدج الذي ألّف معزوفة صامتة.

  • هل من الممكن جعل الفراغ غائية للكاتب ؟
    يقول انطوني :
    صحيح أن الكاتب نادراً ما يجعل من الفراغ هدفاً له، وفي حال وقوع أحد كتبه في دائرة الفراغ، غالباً ما يكون السبب المنع أو الضياع أو التلف أو استخدامه كورق لتغليف سندويتشات. لكن ثمة كتّاب سعوا فعلاً خلف الفراغ، مثل الأميركي فيرجيل هاك الذي، من فرط عمله على تشحيل نصوصه، لم يتبق منها سوى كلمة واحدة؛ أو مواطنته ويندي وينينغ التي لم تستبق من ملحمتها الضخمة، لدى مراجعتها، سوى صفحة واحدة ناصعة البياض؛ أو الشاعر الألماني يورغن كيتلر الذي وصل إلى النتيجة نفسها بسعيه، مثل الشاعر مالارميه، إلى “إعادة تشييد اللغة” وإلى “منح معنى أكثر صفاءً لكلمات القبيلة”.
    وبما أننا ذكرنا مالارميه، نشير إلى أنه تأثّر بالفيلسوف هيغل الذي اعتبر أن مفردات اللغة تتنكّر للأشياء والكائنات في فرادتها، وتستبدلها بمفاهيم. مذّاك، دخل الأدب في حالة حرب مع نفسه، وصارت اللغة الوسيط والعدو في آنٍ واحد. ومن هذا المنطلق، كتب بورخيس: “الكتاب الذي لا يتضمّن كتابه المضاد يُعتبر غير منجز”. ولأن الكلمات تمنحنا إذاً العالم عبر اختلاسه منا، رأى صامويل بيكيت أن الحل هو في “حفر ثقبٍ بعد ثقب حتى نضوح ما يتخفّى خلفها، سواء كان ذلك شيئاً أو عدماً”. وفي هذا السياق، جهد مع غيره من الكتّاب المعادين للكلمات في وضع حد لـ “الإمبريالية الأدبية” عبر اللجوء إلى سيرورة اللاتسمية وابتكار “أدب اللاكلمة”. هكذا يصل راويه في رواية “مولوي” إلى الخلاصة الراديكالية التالية: “بدا لي أن أي لغة هي ابتعاد عن اللغة”؛ حقيقة تقوده إلى تفضيل “محو النصوص حتى يصير كل شيء أبيض وأملساً” بدلاً من “تسويد الهوامش”، مثله مثل الكاتب الإيطالي أوريليو كواتروتشي الذي أمضى عام 1973 في اختيار كلمة واحدة، ومعظم عام 1974 في محوها.
    ولعل المحو وسيلة لاستكشاف عالم ما قبل اللغة والسقوط، عالم غير ملوَّث بالإدراك البشري. لكن ثمّة حلاً آخر يقوم على حرمان الكلمات من شفافيّتها وجعلها مرئية إلى حد تخفي فيه كل شيء. فلدى مالارميه وبلانشو مثلاً، يرقى الأدب بالنفي اللغوي إلى مستوى عالٍ عبر تنكّره للشيء الحقيقي وللمفهوم الذي حلّ مكانه. وبدلاً من ردّنا إلى أفكار، تردّنا الكلمات معهما إلى كلمات أخرى، وتصبح حاضرة تماماً مثل الأشياء التي تنكّرت في البداية لها. وهذا ما يفسّر رؤية الكاتب الأميركي دونالد بارثلمي في الكتاب “شيئاً في العالم بدلاً من نصٍّ أو تأويل للعالم”، ونظرة بلانشو إلى الكتابة كـ “قطعة لحاء أو صخر أو طين”.
  • تزامن ازمة اللغة مع ازمة الادب
    يذهب كاتب المقال الى اعتباطية الدال كصيرورة لانبثاق الادب الحديث المتزامن مع ازمة اللغة
    فيقول جوني :
    انبثاق الأدب الحديث تزامن إذاً مع أزمة لغوية معمَّمة. فبعد القرن السابع عشر، توقف الأدب عن شمل مختلف جوانب التجربة البشرية، وحصل تراجعٌ تدريجياً للكلمة، خصوصاً بعدما أظهرت الفلسفة وعلم الألسنية الطبيعة الاعتباطية للدال، وأفسدت وسائل الإعلام المعنى. لكن في الوقت الذي لم تعد فيه قدرات اللغة توحي بالثقة، وبدت مشروعية الكاتب اعتباطية، اعتُبِر الأدب كمطلقٍ وراهن الناس عليه لسدّ الفراغ الذي خلقته العلمنة وإعلان “موت الإله” (نيتشه). وما أن حصل ذلك، صار الأدب قادراً، نظرياً، على أن يكون كل ما يريده الكاتب أن يكون. لكن المشكلة، كما شخّصها الفيلسوف كيركيغارد، هي في إدراك الكاتب الجديد بأن إمكانات الأدب تبقى أكبر وأوسع طالما بقيت على شكل إمكانات ولم نمنح الأدب شكلاً محدداً وملموساً. من هنا عبارة الشاعر بول فاليري، “عفريت الإمكانية”، ورائعة الروائي النمساوي روبرت موزيل “رجل بلا صفات” التي سعى فيها إلى المحافظة على جميع شروط إمكانياتها عبر رفضه منحها أي هوية جامدة أو قالباً نهائياً.
    مذّاك، تسلّطت على روائيين كثر أشكال مثالية يتعذّر بلوغها، وباتت كل واحدة من روايتهم “قناعاً مأتمياً للمفهوم” (والتر بنيامين)، “غرقاً لفكرةٍ كاملة” (إيريس موردوك) أو “خيانة للكمال” (دايفيد فوستر والاس)، واتّخذ إنجاز أي عمل أدبي طابعٍ سلبي: “هذا الكتاب هو كتاب جُبني”، كتب فرناندو بيسّوا الذي افتُتِن بشجاعة الفرنسي فيليسيان ماربوف، “أكبر كاتب بلا نصوص”، لأن نظرته إلى الأدب كانت مثالية إلى حد اعتبر فيه أن الروايات التي كان ممكناً له أن يرتكبها ما كانت ستكون أكثر من مجرّد انعكاسات باهتة لمصادر وحيها العظيمة. وفي السياق نفسه، قال مارسيل بروست أن كل الصفحات التي لم يكتبها بلغت كمالها.
  • برمجة الادب لافشاله
    يتابع الكاتب انغماسه في افكار الكتاب ليستخرج لنا علة افشال النص الادبي ببرمجته ، فيقول :
    بعبارةٍ أخرى، بات الأدب مذّاك مبرمجاً كي يفشل، فكتب الروائي النرويجي كارل أوفي نوسغارد: “أن نكتب هو أن نفشل في تفانٍ تام”، وصرّح الروائي البريطاني توم مكارسي بأن الأدب “مبني على استحالته الخاصة”، وذهب التشيكي فرانز كافكا إلى حد التأكيد بأن “الاستحالة الجوهرية للكتابة هي الموضوع الوحيد الذي يمكن أن نكتب عنه”. بعض الكتّاب التزم الصمت، بعضٌ آخر لجأ إلى وسيلة التدمير، مثل البارون دو تيف (أحد أسماء بيسّوا المستعارة) الذي سيقتل نفسه بعد إتلافه معظم مخطوطاته بسبب استحالة إنتاج “فنٍّ راقٍ”. وفي الحلقات الطلائعية، وصل الأمر إلى حد اعتبار الانتحار شكلاً ارتقائياً معكوساً وترياقاً ضد التدليس الأدبي: “أنتم جميعاً شعراء، وأنا أقف من جهة الموت”، كتب الدادائي جاك ريغو لرفاقه قبل أن يضع حداً لحياته، مثله مثل أرتور كرفان، جاك فاشيه ورونيه كروفيل.
  • صفحات فارغة كتبت بحبر ابيض
    هل ان تتخيل كتابا دون كتابة ؟ او عملا بلا اعمال ؟ فجوة من دون عمق ؟ ام لك ان تتخيل المتخيل بجوهر كينونته ؟ . يجيب عن ذلك كله السيد جوكي بالقول :
    فمن جهته، اعتبر الشاعر البريطاني مايكل جيبس، الذي وضع أنطولوجيا مكوّنة من صفحات فارغة بعنوان “كل شيء أو لا شيء”، أن بذل جهد جبّار لإنتاج أعمال بلا أعمال “يشهد على إيمان بما يتعذّر وصفه أو كتابته”. وهذا الإيمان هو الذي دفع بورخيس إلى القول: “تكفي إمكانية تصوُّر كتابٍ ما كي ينوجد”، والمؤرّخ الفرنسي مارسيل بينابو إلى التصريح بأن الكتب التي لم يكتبها ليست “عدماً صافياً، بل هي موجودة في شكلٍ افتراضي في إحدى مكتبات بورخيس الوهمية”، ومواطنه الناقد جورج ستينير إلى التأكيد بأن “الكتاب الذي لم يُكتَب هو أكثر من فراغ”. وبالنسبة إلى بلانشو، تقود استحالة تجسيد المطلق في شكل كتاب إلى الحفاظ على الأدب كاحتمال. ولذلك اعتبر هذا العملاق مواطنَه جوزيف جوبير “أحد أعظم الكتّاب الحداثيين”، لأنه رأى في الأدب “مكانَ سرٍّ يتوجّب تفضيله على كل شيء، حتى على مجد تأليف كتب”. وللسبب نفسه، قال الفيلسوف سيوران: “يفتننا مالارميه لأنه يملأ شروط الكاتب غير المنجَز، في ضوء المثال الذي سعى خلفه. (…) نحن نتحمّس للعمل المجهَض، للنص الذي أُهمِل أثناء كتابته وتعذّر إنجازه بسبب متطلّباته بالذات”.
    وهذا ما يفسّر تفضيل الحداثة الرسم الإعدادي على اللوحة المنجَزة، والمسودّة، بتشطيباتها وتصحيحاتها، على النص المنشور”، وتعبير بارث عن استعداده “للتضحية بالنتائج مقابل اكتشاف شروطها”، وقول بورخيس: “هذيانٌ مجهِد ومفقر أن نؤلّف كتباً ضخمة، أن نطوّر في مئات الصفحات فكرة يمكننا جيداً أن نعرضها شفهياً ببضع دقائق. من الأفضل التظاهر بأننا ألّفنا هذه الكتب ومنح ملخّصاً عنها”. وهو ما فعله الكاتب الفرنسي إدوار لوفيه في بداياته بوصفه بشكلٍ مقتضب أكثر من ٥٠٠ كتاب كان ينوي كتابتها ولم يفعل ذلك، ومواطنه الشاعر جاك روبو في “حريق لندن الكبير” الذي يتألف من نص لا يتحدّث سوى عن استحالته، والروائي الإسباني فيلا ماتاس في “بارتلبي ورفاقه” الذي يتألف من سلسلة ملاحظات في أسفل الصفحات حول نصّ غير موجود، والكاتب جنوب الإفريقي إيفان فلاديسلافيتش في “مكتبة الفقدان” الذي يشكّل تأمّلاً في سرديات تخيّلها ولم يتمكّن من كتابتها…

محافظة واسط يدعو الحكومة المركزية للاسراع بإطلاق صرف مستحقات الفلاحين في المحافظة بعد تسويق نحو 95% من محاصيلهم

خطيب جمعة الكوفة: السيد مقتدى الصدر يتعرض لحملة ممنهجة بقيادة جهات معلومة