أمريكا لم تعوض عراقي واحد …على عكس بريطانيا !.
بقلم :- سمير عبيد
تُطرح علينا أسئلة كثيرة من قبل عراقيين عن الدور البريطاني في العراق ،أو هل هناك عودة لبريطانيا نحو العراق !؟
وجوابنا هناك ليس دعاية لبريطانيا، أو تمهيد لمشروع بريطاني قادم. فنحن لسنا مرتبطين بمشاريع أو دول أو سفارات أو أحزاب. بل نحن مرتبطين بمهنة ومهنية ، ومرتبطين بأستراتيجية الحياد والشجاعة في قول الحق. ولا تعنينا ردات فعل المتحزبين والمضغوطين وكارهي الحقيقة .نعم نحن سياسيين ولكننا مستقلين ووطنيين !!.
وبالعودة للجواب :-
بريطانيا واستراتيجية “الستر” والصمت !!.
إعدام بازوفت نقطة فاصلة !!!.
بريطانيا تهمها جدا سمعتها ،وسمعة شعبها وتاريخها وبالتالي هي ركنت الى استراتيجية ( الستر) بعد ان تيقنت أن ما يحصل في المنطقة منذ عام ١٩٨٠ حيث الحرب العراقية /الإيرانية هي سياسات لا أخلاقية . وكانت هناك نقطة فاصلة على الاقل منذ نرجسية وقصر نظر صدام حسين عندما أصرَّ على أعدام الصحفي الذي كان يعمل لصحيفة الأوبزرفر البريطانية و من أصل إيراني والذي اتهمته السلطات العراقية بالتجسس ” فرزاد بازوفت ” والذي اعتقلته السلطات العراقية وأعدمته في عام ١٩٩٠ بتهمة التجسس لإسرائيل وعدم سماع رجاء الملكة البريطانية لصدام عبر مبعوث ورسالة لصدام بأن يُطلق سراحه أكراماً لبريطانيا. ولكنه أصر أي صدام حسين على شنقه، ومن هنا بدأ العد التنازلي لأنهاء حكم صدام وتدمير العراق، وسر شراكة رئيس الوزراء البريطاني المقرب من اسرائيل والكويت ومن الكنيسة الأنجيلية توني بلير مع بوش الأبن في الأصرار على غزو العراق ، والأصرار على شنق صدام شنقاً /وهذا ليس موضوعنا الآن !!.
وعندما بات المشهد يستند على الكذب والقتل والفساد والإرهاب، وبات الجهد الدبلوماسي البريطاني حول العراق لا يكفي قبلت بريطانيا بالمشاركة واعطت لأمريكا الحرية الكاملة لتصبح هي ( وجه الگباحة) لا سيما عندما عرفت بريطانيا أنها لن تستفيد من العراق لان النفط مرهون لمنظمة الأوبك بالنسبة للأسعار.
وشاهدت ان العراق بات ميدان لصراعات (إقليمية ودولية ،وصراعات عربية عربية، وساحة لتنظيمات القاعدة ثم داعش ، ثم الصراع الايراني الاميركي ، والصراع الاسرائيلي الايراني ، والصراع السعودي الايراني ،والتدافع التركي الخليحي) كل هذا في العراق.ركنت الى استراتيجية الستر والصمت !!.
فبريطانيا ليس لديها معمل او مشروع او مناقصة أو اتفاق اقتصادي مع العراق بعد عام ٢٠٠٣ والسبب لأنها ترفض التعامل مع الفساد والفاسدين خوفاً على سمعتها ..وترفض الكذب على العراقيين وتخسر تاريخها ولهذا لم تتبنى ( فاسدا واحداً ) من الساسة العراقيين وحتى حملت جنسيتها احتقرتهم ولَم تساندهم بل تبرعت بهم للأميركيين الذين يبحثون عن الفاسدين والفاشلين …
وبريطانيا ليس لديها بضاعة في العراق ولا حتى في الكثير من الدول المجاورة للعراق بعد غزو البضاعة الصينية لأن بضاعة البريطانيين غالية ومتميزة. وبالتالي لم تصل بضاعة بريطانية للعراق وضمن استراتيجية ( البضاعة الرديئة تطرد البضاعة الجيدة ) فبقيت بريطانيا تتفرج على المشهد لأنها رفضت اتساخ سمعتها بتلوث البيئة السياسية في العراق بدعم اميركي.وبالأحرى صعدت على التل تتفرج على نهاية اللعبة الأميركية القذرة في العراق !!.
كم نتمنى أن تعود بريطانيا !!.
نعم نتمنى ان تعود بريطانيا نحو العراق.لأن بريطانيا تستنكف أن يتقهقر أي بلد تحت رعايتها او هي متواجده فيه بشكل رئيسي بل تدعمه ليتقدم ويتقدم في جميع الميادين …..!!.
ولهذا يفترض ان يكون هناك ضغط برلماني ونخبوي وشعبي على ( السفير البريطاني ) في العراق ليتحرك ويكون له دور أكبر من دوره الحالي لكي تتقهقر مساحة النفوذ الأميركي في العراق و الذي عزز الفشل والقهر وتفتيت المجتمع ودعم الفساد والمافيات والمخدرات وكل شيء سيّء …
فلا يجوز تحميل ايران مآسي العراق بل امريكا اولا وهي التي فسحت المجال لإيران لكي تتوغل في العراق بل شاركت طهران واشنطن في أدارة العراق .. ومن ثم توغلت اقتصاديا تركيا هي الاخرى وبات شعب العراق مجرد ملايين من الأسرى يُطعَمون من قبل ايران وتركيا ويُطببون في الأردن والهند وبأوامر أميركية بعد ان كان العراق مركز الشرق الأوسط بالطب وكان العراق مكتفي صناعيا وزراعيا !!!!.
بريطانيا عكس امريكا !!
بريطانيا تربي الحكومات وتربي رجالات دولة نزيهين.ولا يوجد عميل بريطاني حرامي وفاسد لأنهم يرفضون التعامل مع الفاسدين واللصوص لأن بريطانيا لا تتبنى الفاسدين اطلاقا لأنها تعتمد على النزاهة والأمانة …..
ولدينا شهادتين هنا:-
١- انظروا الى سلطنة عُمان، والسلطان قابوس ونهضته وحكمته “رحل قبل ايّام رحمه الله” فلقد نقلتها بريطانيا الى دولة محورية ومهمة في الريادة والحياد والسلام ونقلت رجالات الدولة العُمانيين الى درجات عالية من الاتزان والنزاهة والحكمة !!.
٢- ولدينا تجربة الراحل ” نوري السعيد” فالرجل عميل بريطاني بامتياز. ولكن السر يكمن باعتماد بريطانيا على نوري السعيد في العراق لان نوري السعيد كان نزيهاً .ولدى بريطانيا عُرف كن نزيهاً وحتى وان أخطأت في التصرف والحكم والقرار فهذا هيّن ويمكن معالجته ولكن لا معالجة ولا ثقة بغير النزيه !!.
ولهذا كانت بريطانيا تعرف ان نوري السعيد زعيم النزاهة ولهذا هو الزعيم المعتمد من قبل بريطانيا في العراق.وكان نوري مخلصا للبريطانيين أكثر من أخلاصه للعراق. ووظف ذلك للعراق وليس لنفسه !!. فنوري سعيد شكّل ١٤ وزارة فهي حقبة نوري السعيد بامتياز !!.
ولهذا كان رئيس الوزراءفي العراق له قيمة كبيرة وفرتها بريطانيا وموقع وتاريخ العراق الذي لم يتنازل عنه نوري السعيد وعلى العكس من امريكا التي تتعامل مع رئيس الوزراء كأنه موظف تابع للسفارة الاميركية ولا قيمة له!.
موقف للتاريخ :-
عندما حصل فراغ سياسي واحتقان كبير في العراق وكان نوري السعيد زعلاناً في لندن . فأتصل به الوصي آنذاك وعندما كان يزور باريس فلم يرد عليه نوري السعيد وأهمله . فأضطر أن يتصل بعمه ” زيد” الذي كان سفيرا للعراق في لندن وطلب منه ان يوصل رسالة لنوري سعيد ان يأتي ليُشكل الوزارة …
فرد عليه السعيد :- هل الوزارة بشروط الوصي أم بشروطي؟
فقال له الوصي:- بل بشروط نوري السعيد.. وكان هذا عام ١٩٥٤.
فنوري سعيد كانت لديه نزعه ديكتاتورية قوية ولا يُؤْمِن بالديموقراطية ، ولكن البريطانيين كانوا يمنعونه من ذلك لانهم لا يحبون الديكتاتورية والفساد !!.
وبالفعل شكّل حكومة ١٩٥٤ ولكن لأنه كان في الانتخابات الوطنية هناك فائزين عددهم ٩ وهم من الحركات الوطنية ومعه ١١٠ صوت ومع ذلك لم يتحمل ال ٩ المعارضين وذهب لإلغاء الانتخابات وجعلها بالتزكية …وباعتقادنا ان نوري السعيد قضى على الملكية في العراق عندما ألغى انتخابات ١٩٥٤!!!!!.
#مثال على النزاهة البريطانية :-
هنا نذكركم بصفقة اليمامة” والتي هي سلسلة من مبيعات الأسلحة من بريطانيا إلى السعودية بدأت عام 1985، تلقت مقابلها لندن ما يصل إلى ستمئة ألف برميل من النفط السعودي الخام يوميا. وتوصف بأنها الصفقة الأضخم و تورط فيها أمراء سعوديون.حيث أبرمت السعودية وشركة “بي أيه إي سيستمز” البريطانية لصناعة الأسلحة في سبتمبر/أيلول 1985″صفقة اليمامة” التي تجاوزت قيمتها 43 مليار جنيه إسترليني (حوالي 56 مليار دولار أميركي). وتمت الصفقة بدعم من رئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغريت تاتشر …ووقع وزير الدفاع البريطاني الأسبق مايكل هيزلتاين ونظيره السعودي الأمير سلطان بن عبد العزيز المرحلة الأولى من صفقة اليمامة التي نصت على تزويد السعودية بـ 102 طائرة حربية (72 من طراز تورنيدو وثلاثين من طراز هوك) بالإضافة إلى مجموعة كاملة من الأسلحة وأجهزة الرادار وقطع الغيار، وبرنامج تدريب للطيارين.وأحيطت الصفقة بسرية تامة بطلب من العائلة الحاكمة بالسعودية، وحاولت حكومة تاتشر إخفاء كل التفاصيل المهمة عن الصفقة لسنوات، لكن وثائق رسمية نشرت عام 2016 في بريطانيا كشفت أن تاتشر أجرت محادثات سرية مع حُكّام السعودية عام 1985 بشأن أكبر صفقة أسلحة، والتقت الملك آنذاك فهد بن عبد العزيز قبل خمسة أشهر من إبرام الصفقة!!!،.
الإعلام البريطاني لم يسكت وبقي يبحث ويبحث ( ولَم يُخطف ويعتقل ويُغيّب الصحفيين البريطانيين مثلما فعل العبادي ومخابراته مع الصحفي سمير عبيد لمنعه من البحث واظهار الحقائق !!) فقد نشرت صحيفة إندبندنت في مايو/أيار 2004 مقالا أوردت فيه أن الصفقة تمت بمساعدة حساب مصرفي سري كان بمثابة القناة التي تم عبرها دفع رشى، وأن وزارة الدفاع فتحت تحقيقا في دفع “بي أيه إي سيستمز” لأكثر من ستين مليون جنيه خلال تنفيذ الصفقة.واعترفت الشركة البريطانية بأنها قدمت “خدمات مساعدة” لمسؤولين سعوديين ، وذلك في رسالة مؤرخة في نوفمبر/تشرين الثاني 2005 وجهتها إلى مكتب مكافحة الفساد الذي كان يحقق حينها في صفقة اليمامة !!.وجاء التحقيق الذي أجرته ال (بي بي سي) يوم 7 يوليو/تموز 2007 ليكشف المزيد من الأسرار المخفية، حيث أكد أن السفير السعودي السابق في واشنطن الأمير بندر بن سلطان -والذي لعب دور المفاوض عن الرياض في صفقة اليمامة- كان قد تلقى أكثر من ملياري دولار على مدى عقد من الزمن كعمولات مقابل دوره في إبرام الصفقة المذكورة.وأشار التحقيق إلى أن وزارة الدفاع البريطانية وافقت على المدفوعات السرية.
كما نشرت صحيفة غارديان يوم 18 يناير/كانون الثاني 2008 تحقيقا عن وجود أدلة على طلب أفراد من الأسرة المالكة بالسعودية عمولات مالية مقابل دورهم في إبرام صفقات سلاح بين الرياض ولندن.وقال المعلق بالصحيفة سايمون جينكينز إن الصفقة كانت منذ بدايتها محاطة بالفساد، حيث إن الوسطاء كانوا يطلبون في كل مرحلة من مراحلها إيداع عمولات في حسابات سويسرية وشقق وغيرها، مشيرا إلى أن كل شيء دخل هذه الصفقة، وذلك كما ورد في حديث الصحفي بالشريط الوثائقي الذي يحمل عنوان “سوداء اليمامة” وبثته قناة الجزيرة في أغسطس/آب 2012.وتحدث أيضا المالك السابق لشركة ” ترافرلز وورد” بيتر غاردينز بشريط وثائق “سوداء اليمامة” عن الخدمات التي كانت تقدمها شركة “بي أيه إي سيستمز” للمسؤولين والأمراء السعوديين، قائلا إنها شملت حجوزات طيران وفنادق ورعاية طبية وغيرها.
ومن بين الخبايا التي كشفها غاردينز أن الشركة البريطانية دفعت فاتورة شهر عسل طويلة لابن الأمير تركي بن ناصر، وسيارة رولز رويس الفخمة قدمها هدية لابنته نورة…وحاول رئيس الوزراء توني بلير ايقاف التحقيق فيها ولكن عادت قضية صفقة “اليمامة” إلى الواجهة في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، بعد أن قالت عضو البرلمان البريطاني عن حزب العمال آن كلويد إنها ستقدم طلبا للجنة العلاقات الخارجية لإعادة فتح التحقيق في قضايا الفساد المرتبطة بالصفقة.وأشارت كلويد إلى أن إعادة فتح التحقيق في صفقة اليمامة سيكون مناسبا!!.
هل رأيتم الفرق بين بريطانيا وامريكا !؟
بريطانيا تدافع عن نزاهتها بحيث قضية فساد صفقة اليمامة منذ عام ٢٠٠٤ ولا زالوا يطاردونها ويحققون فيها حتى تتحقق العدالة وتمضي النزاهة ..
على عكس امريكا فهي تأمر الحكومات الحليفة لها بتغييب اَي صحفي واي شخص يفتح فساد الاميركان مع الساسة العراقييين وتغييب اَي صحفي واي شخص او تسقيطه عبر الجيوش الإلكترونية حال ما يبدأ العمل بكشف جرائم امريكا في العراق وحال ما يكشف فساد حلفاء امريكا في العراق .
ناهيك ان امريكا لم تعوض عراقي واحد او عائلة واحدة تعرضت لجرائم الجنود والضباط الأميركيين الذين ارتكبوا جرائم بشعه وانتهاكات بشعة بحق العراقيين وهل ننسى جرائم سجن ابي غريب وساحة النسور واستهداف تجمع الصحفيين وابادتهم وهناك آلاف الجرائم الموثقة وهناك عمليات نهب وسلب لثروات وتراث وخزائن العراق ….على عكس البريطانيين الذين عوضوا كل شخص وكل أسرة وكل ممتلكات الناس الذين تعرضوا للانتهاك والأذى والقتل !!!!.
الخلاصة :-
١-البريطانيون أصحاب حضارة وتاريخ إمبراطوري لا يريدون تلويثه ….والأميركيون أصحاب بلطجة ونهب وابادة لشعوب الهنود الحُمر وعمر حضارتهم اللقيطة ٢٨٠سنة !!.
٢-البريطانيون خبراء في تاريخ وحضارة العراق وخبراء في مزاج ونفسيات العراقيين ويعرفون تضاريس المجتمع العراقي….. اما الأميركيين فأغبياء وليست لديهم أوليات عن طبيعة المجتمع العراقي، ولا يعرفون المزيد عن تاريخ وحضارة العراق!.
٣- البريطانيون يكسبون عليّة القوم وأصحاب الكفاءات والتاريخ الوطني وأبناء العائلات المؤثرة ويبحثون على النزهاء وغير الفاسدين …والأميركيون يكسبون الساسة الهواة والفاشلين.ويجذبون ارباب السوابق واللصرص والفاسدين وابناء العائلات المغمورة ويحاربون اصحاب الكفاءات وابناء الذوات ويحاصرون النزهاء وغير الفاسدين.ويدعمون الذين ضمائرهم ميتة وقلوبهم متحجرة!
٤- البريطانيون أصحاب نفس طويل وأصحاب استراتيجية امتصاص وأصحاب مبدأ تطوير الشعوب والبلدان ودعمها نحو الأمام وتطوير جامعاتهم وبنيتهم التحتية والصحة والزراعة والصناعة …والأميركيون مزاجيون يعشقون القتل وثقافة الكاوبوي ويتاجرون بشعارات حقوق الأنسان والحريات ولَم يطبقون شيئا منها ..ويحاربون تطوير الشعوب والبلدان التي يحتلونها بل يغرقون شعوب الدول في المخدرات والفساد والنعرات الطائفية والعرقية !!.
نقطة نظام :-
الولايات المتحدة الأميركية انتهت في العراق… أي بات الشعب العراقي يكره أمريكا. وبات المواطن العراقي لا يثق بالأميركيين. ولا يثق بالولايات المتحدة أبدا .ويحملها كل مصائب العراق منذ عام ٢٠٠٣ وحتى الآن. ويحملها مسؤولية بقاء النظام السياسي الفاسد منذ عام ٢٠٠٣ وحتى الآن…ولازالت امريكا تكذب على العراقيين وسعيدة بانهار الدم التي تجري منذ عام ٢٠٠٣ وحتى الآن بسبب سياسات امريكا في العراق !!!.
وهنا لا ندعوا لأحتلال العراق من قبل بريطانيا .ولكننا أجبنا على أسئلة الأخوة العراقيين بكل شفافية !!.
سمير عبيد
١٧ يناير ٢٠٢٠

