علاء الخطيب
يتصاعد الجدل بين الاجيال في العراق في وتيرة عالية ، ويكاد الجيل الجديد لا يعترف بالجيل الذي سبقه ، فالمعركة مستمرة ، وبدت اكثر وضوحًا في السنوات الأخيرة ، وكأننا نرى قطيعة جديدة تنذر بمجتمعنا العراقي .
في الحقيقة هذه القطيعة ليست جديدة بل متجددة.
ثقافة القطيعة في تاريخنا العراقي تكاد تكون سمة مميزة ، فالعراق لا ينتمي للسومرين ولا للبابلين سوى بالألفاظ ، فلدينا قطيعة كبيرة بيننا وبين حمورابي وسرجون ونبوخذ نصر واسرحدون وگلگامش ، وامتداداتنا مختلفة ، والدليل اننا لم نحافظ على منجزاتهم ولم نراكم عليها وليست جزء من حياتنا وتراثنا ، بل قصص نسمعها كقصص الغابرين لا تدخل الى ارواحنا كي نبني عليها اثر وآثار بابل وأور واحد من الأدلة على ذلك .
وكذلك لدينا قطيعة مع تاريخنا الإسلامي ، فالدولة العباسية التي عاشت اكثر من 500 عاماً في بغداد لم تجد لها اثر بل اننا منقسمون حول هارون الرشيد والمأمون والمنصور وبقية الخلفاء، هل هم نفتخر بهم كعظماء وبناة دول أم انهم حكام غلبةٍ واستبداد وجور .
هذا الشرخ التاريخي جعل المجتمع العراقي يضيع بين الانتماء للأرض وبين الانتماء للعقيدة او العرق .
القطيعة لازالت تسير على قدميها بقوة ، وتعبر عن ذاتها بعنفوان وتحدي .
تجرنا الى التخبط في كتابة التاريخ والتعريف به للأجيال. هناك اشكالية كبيرة في تعريف الأجيال العراقية بتأريخهم ، هل هم امتداد للسومريين والبابليين أم هم امتداد العباسيين وللدولة الإسلامية العربية التي أنتجت الثقافة والأدب والعلوم والعلماء. وأنتجت حضارة لازال العالم يتباها بها كحلقة من حلقات التطور الحضاري و الإنساني .
كانت لنا قطيعة مع الحكم الملكي وعقبه حكم عبد الكريم قاسم ومن ثم حكم البعثيين واليوم تستمر القطيعة وكأن صفحة جديدة منها أراها بوضوح تتجلى امامي .
ماذا نفعل من اجل ان نكون متواصلين مع تاريخنا وماضينا ؟
وهل من الضروري ان ننشأ ثقافة جديدة للتواصل ؟
كم من الخطوات الضرورية التي يجب ان نخطوها كي نستعيد السير بتوازن ونتصالح مع ذواتنا وتاريخنا ؟
لا بد لنا من بناء وعي جديد كـ خطوة ضرورية وملحة ، لأننا بحاجة كبيرة الى بلورة ثقافة جديدة تصبح مرجعية للأجيال التائهة بين الماضي والحاضر ،فلا يمكن لأي مجموعة بشرية في العالم ان تنجز منجزاً إنسانيا بدون الوعي الحضاري بحركة الزمن الذي تعيش فيه ومعنى الوعي الحضاري هو التفاعل والانفعال والفعل بشكل إيجابي ، لذا لا يمكن ان نؤسس لحركة وعي جديد دون نتفاعل بفكرة ونفعل معها لكي ننتج الفعل الحضاري. فلا يمكننا ان نمج الماضي بكليته ونرفض الحاضر بكليته دون ان يكون هناك خط فكري معين و واضح ، ايٍ كان توجهاته ، ربما يكون الماضي ممجوجاً لا يستحق ان نتوقف عنده لكنه بالنهاية هو جزء من شخصيتنا وهذه حقيقة لايمكن إنكارها ولا يمكن ان نستبدله بماضٍ اخر لكننا قادرون على صنع الحاضر والمستقبل بالتأكيد لأننا نملك الأدوات والإرادة ، وهذا ما فعله الأوربيون أسسوا للوعي جديد مبني على العقلانية ، حينما تبنى رب العقلانية الأوربية الفيلسوف كانت ١٦٦٠ مهمة بناء وعي عقلاني ثم توالت التنظيرات وصولا الى ڤيكو و جان لوك وغيرهم .
ما عملوه هؤلاء عزل الدين عن الحياة العامة وخطأ ً يقال عن السياسة وجل ما عملوه هو جعل الدين حالة خاصة وعلاقة محضة بين الانسان والسماء لا دخل لها بالآخر وكرسوا ثقافة الذات التي تغلبت على ثقافة الاخر ، ولعل اهم ما نعاني منه اليوم كمجتمعات شرقية وبالعراق على وجه التحديد هو ثقافة الاخر ، لا نرضي ذواتنا بل يجب ان يرضى الاخر عنا ولو سحقنا على ذواتنا وتحملنا من اجل الاخر الصعاب ،
ثقافة القطيعة وهلامية الهوية أمراض لا يمكن ان تخلق مجتمع وتبني دولة ، لذا علينا ان ننظر للماضي بعين المُعتَبر المجرد من الأمراض والأوهام .