وسام رشيد
إنخفاض ملحوض في منسوب الثقة التي يتعاطىٰ من خلالها أعضاء مجلس النواب فيما يرد من الحكومة من مشاريع قوانين، وما تتخذه الأخيرة من قرارات صعبة، قد تبدو منطقية من وجهة نظر بعض المختصين من المستشارين والوزراء والساسة الذي يقودون عملية إصلاح إقتصادي ومالي بهدف العبور من الأزمة الخانقة التي وضعت البلاد على حافة الهاوية، لكن هذه “المنطقية” المنطلق الذي إتُخذت فيه قرار خفض العملة بالتزامن مع خفض تدريجي وتصاعدي لرواتب الموظفين في القطاع العام والمختلط، وإنعدام الثقة في هذا الإجراء جائت من خلال عدة إعتبارات قد أوردها رئيس مجلس النواب ليلة البارحة، مختصرة في مضامين تحكم تصرفات الحكومة في حالة إنها تملك إرادة حقيقية للتغيير الإقتصادي والبحث عن مصالح المواطنين، وإنقاذ أكثر من ثلثي الشعب العراقي يعتمدون في أرزاقهم على رواتب الموظفين بشكل مباشر، أو غير مباشر عبّر الأعمال والحركة المعاشية التي تعتمد على ما تضخه الحكومة من نقد مالي بحسابات المستفيدين من الموظفين شهرياً.
وقبل الشروع بتنفيذ الخطة الحكومية لتغطية الرواتب والمستحقات كانت هناك تصريحات عدة لوزير المالية ومحافظة البنك المركزي وبعض المسؤولين الماليين إن نناك كتلة نقدية ضخمة هي مُدّخرات المواطنين، وهذا البناء- الإستفزازي- في حل الأزمة النقدية قد أهدر المزيد من الثقة التي يجب أن يتمتع بها المواطن لحل تلك الأزمة، وبعدها فإن إجراء رفع سعر صرف الدولار مقابل الدينار قد لاقى إمتعاضاً ليس على المستوى الشعبي أو حتى ( الإعلام السياسي للمسؤولين) بل من أصحاب الخبرات الإقتصادية المهمة، والذين يعتقدون بشكل حازم إن هذا الإجراء بحاجة الى سلسلة خطوات موازية، وإستباقية، وأهمها زيادة الدعم الحكومي للقطاعات ذات الدخل المحدود، ولا يخفى على أحد إن غالبية موظفي الدولة هم من أصحاب الدخول البسيطة أو أقل من المتوسطة كالقطاع التعليمي والعسكري والصحي والبلدي والأمني، لذا فإن هذا القرار قد زاد فعلاً من معاناة هؤلاء بشكل عملي نتيجة زيادة الأسعار، ومضاربات تجار الأزمات، في ظل إقتصاد ريعي بائس يعتمد على النفط ولا يوفر بديل فعلي، وغير واضح المعالم، فكان على هذه الطبقة الجماهيري التي تخدم البلد أن تدفع الثمن مرتين، بعد قرار الحكومة بإستقطاع جزء من رواتبهم.
لجوء الحكومة للحلول السهلة لحلول سهلة، ليست عبثية، إنما “عبطية” في ظنهم إنهم قادرون على تمرير الوقت المتبقي لها لغاية الإنتخابات القادمة، وأهملوا إتخاذ قرارات سيكون الكثير من أعضاء مجلس النواب وعامة الشعب ظهيراً ومسانداً لها، فالسيطرة على المنفذ الحدودية وضرب المتنفذين فيها، وإيقاف تهريب العملة خصوصاً إن غالبية دول جوار العراق هي دول جاذبة للعملة الصعبة بسبب ما تعانية من حروب وعقوبات وأزمات سياسية وإقتصادية، والسيطرة على المنافذ تعني حماية فعلية لهروب العملة الأجنبية وتعزيزاً للثقل النقدي الوطني في مدخرات الدولة الإستراتيجية سواء البنك المركزي أو المصارف الأخرى، مع الأخذ بنظر الإعتبار تسهيل دخول الأموال لغرض الإستثمار وبناء قطاع خاص وطني وخارجي شريك في إدارة إقتصاد الدولة منضبط بمبادئ تكافؤ الفرص والحرص على أمن وسلامة مستقبل البلاد وعلى كافة الصُعد، وهذا يتطلب فعلياً جهود إستثنائية وخطط ذكية للخروج من الأزمات.
وعلى ما يبدو فإن السلطة التشريعية دخلت على خط الأزمة من خلال تصريح رئيس مجلس النواب بإسعاف الإقتصاد العراقي بدل من التعسّف في إجراءات حل الأزمة، على حساب المواطن.