Menu
in

حوار مع د. طه جزاع

 حوار / دنيا الحسني 
(اول كتاب أشبه بدلو ماء يسكب على أرض بكر )

“وطن في رجل .. وجسد في قلم .. وبركان يفيض محبة وصدقاً ,واخلاصاً ,واخلاق بين من عمل معه او من كان قريبا منه , لم يكن كاتب أنتقادي وصحفي ناجح فقط , ولا كاتب محلل وفيلسوف جذاب فقط ,كان شخصية محببة بكل من التقى به , يعرف بأعتداله في الأفكار , هو موهوب في كسب محبة الناس , لأمتلاكه قلبا كبيرا فيه مكان لكل الذين عملوا معه .. لقد غرس في الجميع حب الصحافة وعشقها.”

*ماهي رؤيتك لكل ماتراه في البلد؟
ماحدث في بلدنا ومازال يحدث أمر محزن ومؤسف ومثير للمخاوف والقلق على الحاضر والمستقبل , لكن هناك دوماً فسحة للأمل فيما تبقى ولم يصله الخراب بعد , والاهم من ذلك كله هو الإنسان العراقي الأصيل الذي لم يفقد حبه واعتزازه بوطنه , ومثل هذا الإنسان لم ينقرض بعد على الرغم من كل هذه الحروب
ومشاهد الموت والرعب والنزاعات والفوضى ومشاكل الفقر وضعف الخدمات وندرة فرص العمل , يقينا إن كل ماحدث يحبط النفوس ويزرع روح اليأس والتشاؤم لاسيما في ظل التناحرات السياسية والحزبية والمحاصصة المقيتة التي تضر بهوية الإنسان العراقي حين تقوم على أساس هويات فرعية عرقية ودينية وطائفية ومناطقية تضعف الهوية الوطنية التي ينبغي أن تكون هي المعيار الأول والأخير .

*ما رأيك بالصراع الحاصل في تجسيد مفهوم الحرية والديمقراطية ؟وما أسباب عدم نجاح هذا النتاج في الحكم الذي سبب الفوضى والفساد والتخبط ؟

ليست الحرية ولا الديمقراطية سبباً للفوضى والفساد والتخبط , فالحرية تطلق الطاقات الذهنية والفكرية والابداعية التي تعمل على تقدم المجتمعات ونموها ورفاهيتهاوالديمقراطية نظام سياسي يعمل على أن تكون السلطة بيد الشعب لأنها منبثقة منه , لكن الخلل يحدث حين لا يكون المجتمع متهيئاً لمثل هذه التحولات في حياته السياسية والاجتماعية والثقافية وغيرها , وهي ليست وصفه جاهزة لعلاج المجتمعات ,ولا هي ترف سياسي , إنها ثقافة والتزام ومسؤولية , وما لم يصل المجتمع ونخبه السياسية والاجتماعية إلى مستوى النضج والعقلانية فإنها وصفة غير مضمونة النجاح .

*أين يتجه فكر الإنسان حالياً ؟

نحن نعيش ألآن في عصر من أكثر عصور الإنسان حيرة وتشتتاً وضياعا , ولقد شهد العالم كله تقريبا أحداثا كبيرة انعكست نتائجها على التركيبة الاجتماعية للبلدان التي تعرضت للحروب وأعمال العنف والإرهاب ,كما أحدثت الأعمال إلارهابية في أمريكا وأوربا خصوصا شرخا نفسياًعميقاًعند الإنسان الأوربي , وخلقت حاجزاً من الخوف والشك والريبة في الإنسان الأخر , يضاف إلى ذلك كله غزو العولمة ذات الوجوه المتعددة وثورة تكنولوجيا الاتصالات المتشعبة ,كل ذلك وغيره زاد من قلق الإنسان وخوفه , مما دفع بالنخب المفكرة إلى طرح أفكار مثل صدام ,الحضارات كما طرحها المفكر الأمريكي صموئيل هنتنغتون , ونهاية التاريخ والإنسان الأخير كما تخيلها مواطنه فرانسيس فوكوياما الذي بشر بالديمقراطية والليبرالية والسوق الحرة كظاهرة رأسمالية , وقد يبدو الآن إن الكثير من أفكارهما كانت صحيحة فيما نشهده من معالم الصراع الحضاري الراهن والتحولات السياسية والاقتصادية في الكثير من بلدان العالم , لكن الحقيقة الكبرى تتمثل في أن الإنسان لايمكن أن يخضع لقالب يحدده الأخر, وان لكل مجتمع ثقافته ورؤيته وفلسفته التي قد لا تتوافق مع تلك الأفكار والأطروحات والتحولات .ولابد من بديل يضمن مستقبلا أقل شراً وعدوانية وغطرسة وأكثر سلاما واستقرارا لهذا العالم المتناحر المضطرب .

*هل سهل أو عقد الفلاسفة الحياة ؟

من غير الإنصاف ولا المعقول القول بأن الفلاسفة قد عقدوا الحياة ,فالفلسفة في جوهرها نشاط ذهني وتفكير عقلاني , ولا يمكن أن تكون دعوة للعقل منافية لمنطق الحياة أو أنها تؤدي إلى عدم سهولتها ,الفلسفة مهما تكن توجهاتها ومدارسها فإنها تعمل على تنوير عقل الإنسان وتقوده إلى التفكير المنطقي السليم , وفي المنطق السليم تتسهل الكثير من مشكلات حياتنا وصعوباتها وتحدياتها .

*هل القلم كائن آمن ؟ ومن أكثر تأثيرا حمل القلم أم البندقية ؟

هو آمن بقدر أمان صاحبه , ولا أمان للقلم إن لم يكن هذا الصاحب حراًومسؤولاً ونزيهاًوتأثير القلم في مسيرة الفكر البشري لاينكره صاحب سيف ولا بندقية ولا مدفع , لكن خلال الإحداث الآنية في تاريخ البشرية يبدو واضحا أن القوة هي التي تفرض إرادتها في النهاية والسيف ” أصدق أنباء من الكتب “.

* هل بقيت حظوظ للقلم على هذه الأرض وخصوصا العراق ؟
نعم بقيت وتبقى , في العراق وغير العراق ففي البدء كانت ” ن والقلم وما يسطرون ” ومن دون الكلمة والقلم تعود البشرية كلها إلى عصور الهمجية الأولى.

*هل هناك علاقة بين الكاتب والمال ؟

المال ليس من متطلبات الكتابة , لكنه من ضرورات الحياة , وقد درجت العادة أن يكون الأديب والكاتب فقيرا يتذلل أمام أبواب السلاطين والأمراء والوزراء والأثرياء , وعندما يقال عن شخص ما ” أدركته حرفة الأدب ” فذلك معناه أنه أصبح فقيرا لأن ما ينتجه من أدب لا يشبعه ولا يلبي حاجاته المتناهية , ولا يجعله مرهفاً في ماديات الحياة , والكثير من الأدباء والروائيين العظام كانوا مرفهين ومن أصحاب الأموال والأراضي والإقطاعيات , لكن الأكثر منهم كانوا من الفقراء والمعوزين والمبهمين .

*هل لديك قطيعة بينك وبين الذات تجعلك تفقد السيطرة على القلم في بعض الأحيان ؟

قدتحدث مثل هذه القطيعة بسبب وجود تناقض بين ما يفكر به الكاتب وما يمتنع عن كتابته لأسباب موضوعية كثيرة شخصية وغير شخصية ,فالقلم في نهاية الأمر هو وسيلة وأداة ننقل فيها أفكارنا ومشاعرنا وأحاسيسنا إلى الورق , ونحن نتحكم به لا هو ,وقد يتمرد ويصهل على راحته , لكن عصا القيادة بيد الكاتب أولا وأخيرا , وهو المسؤول عن تمرد قلمه ,أو صمته , أو صهيله ,أو جموحه أو جنونه!.

أكثر نشاط ذهني تحبه حالياً .. هل القراءة أم الكتابة بعد هذا العمر؟

ثبت طبياً أن الرجال الذين يستمرون بالقراءة والكتابة والإنتاج الفكري هم أقل عرضة من غيرهم للإصابة بمرض الزهايمر أثناء شيخوختهم , فالقراءة والكتابة من الفعاليات التي تنشط الذهن باستمرار , وتمنع الدماغ عن الجمود الذي يؤدي به إلى أن يكون أشبه بقطعة حديد , يعلوها الصدأ ! شخصيا فأن هذا النشاط هو جزء من حياتي في عمري الحالي أو العمر الذي أمضيته طالباً للعلم وقارئاً
متذوقاً, لمختلف كتب الفكر والأدب والعلم والفن والتاريخ ,والسيرة والسياسة , واجد في القراءة متعة فكرية ونفسية حقيقية , أكثر من الكتابة التي تضجرني إلى حد ما , وقد يعود ذلك إلى ارتباطها بفكرة إنهاء الواجب التي نمت لدينا بسبب طبيعة العمل الصحفي, الذي يتطلب إنهاء التكليفات الصحفية بأوقاتها المحددة من دون تأخير , وهذا مالا ينجسم
وطبيعة الكتابة المتأنية التي تستجيب لمزاج الكاتب ورغبته .

*هل وضعك التاريخ في حيرة .. كيف تقرأه؟

أنا مثل غيري من البشر , وضعنا في موضع الحيرة منذ ولادتنا , بل ربما مذ كنا نطفاً في أرحام أمهاتنا , ومن يولد عليه مواجهة الحياة , وعندما يواجهها يكون قد دخل حيرة التاريخ حتماً ,لا إرادة, جبراً لا اختياراً,وهذا هو حال الشعوب والأمم بأسرها ولا ينحصر بالإنسان الفرد لوحده هذا وجه من وجوه حقيقة التاريخ البشري ,أما الجانب الأخر فإنه يتعلق بالنتائج المرتبة على حركة التاريخ الجدلية , وأعني به حاضر الإنسان والشعوب والأمم , فالحاضر هو خلاصة ذلك التاريخ , والمستقبل يحدده هذا الحاضر الذي سيصير تاريخا بعد مضيه مباشرة , وقد تكمن الحيرة في سرعة جريان التاريخ في منحدر الزمن , وبما لا يسمح بتصحيح الأخطاء الفردية , والجماعية وإعادة كتابتها من جديد, .

*أكثر شخصية تأثرت بها من الفلاسفة , وأي كتاب معين استلهمت منه بحوثك الفلسفية؟

قرأت لعشرات الفلاسفة ,وقرأت مئات الكتب , وليس من السهولة الإجابة عن مثل هذا السؤال إجابة قاطعة , لكن يمكن القول أنني أعجبت بتفكير الفلاسفة ,الإغريق الذين يسمون بالطبيعيين الأوائل مثل طاليس وانكسمندريس وانكسماينس وهيراقليطس وبارمنيدس وغيرهم من الذين بحثوا في أصل الوجود ,والشيء, الذي تخرج منه كل الاشياء,وطرحوا السؤال الاول حول أصل الكون ,ثم يليهم عمالقة الفكر والعلم البشري افلاطون (لسان حال معلمه سقراط) وتلميذه أرسطو, ولابد من القول أن كتاب السياسة أو ما يسمى بجمهورية افلاطون أوالمدينة المثالية أو الفاضلة عند عامة الناس يبقى من أكثر الكتب انتشاراً وتداولاً وتأثيراً على مستوى الأكاديميات الفكرية والإنسانية أو على مستوى عموم القراء,فضلا عن محاورات افلاطون في الطبيعة والنفس والموت والشجاعة والجمال والحب غيرها,كما أعجبت أشد الإعجاب بالفيلسوف الانكليزي السير برتراند رسل كشخصية متفردة لها كاريزما خاصة , وتمتعت بأسلوبه الأخاذ وأفكاره الطريفة الجميلة وهو يكتب تاريخ الفلسفة الغربية أو في مذكراته الشخصية , وقبله كان قد أدهشني فليسوف التجريبية فرانسيس بيكون بأفكاره الخلاقة عن الأوهام والخرافات التي تهيمن على العقل البشري .

*هل تحب السفر على الورق أو السفر حول العالم ؟

السفر على الورق لايمكن أن يكون إلا بعد تجربة السفر الفعلي لأنه تسجيل لها , باستثناء السفر الروحي والذهني إن كنتٍ تقصدين ذلك ,وأنا أحبهما معاٍ , ولكن انتقال الإنسان من مكان إلى أخرفي سفره الحقيقي يمنحه على الدوام طاقة روحية متجددة , ويعينه على تنشيط روحه وخياله , ويمده بمعلومات جديدة عن المدن والناس حول العالم .

* ماذا تكتب حول زياراتك لبلدان العالم ؟

أكتب كل ما أشاهدهُ بنظره سياحية تتيح للقارئ أن يطلع على معلومات قد يحتاجها في سفره اوأنها تقدم له سياحة على الورق إن كان غير متمكن من الوصول إلى البلدان والمدن التي شددتُ إليها الرحال , ولا أغفل الجوانب التاريخية والثقافية والاجتماعية التي تغني معالم الرحلة , لأنها تشكل روح المدن وطابعها الحضاري والإنساني , فجمال الطبيعة وعظمة البناء وسحر السواحل البحرية أو الجبال , لا معنى له من دون الإنسان .

*كتبت عن مهاتير محمد ,هل هو أعجاب في شخصيته أو انك ضربت المثل حول طريقته في أدارة نهج السياسة الناجحة في بلاده؟

مهاتير محمد شخصية تاريخية قد يتحول يوماً إلى أسطورة في تاريخ ماليزيا المعاصر, فقد
استطاع هذا الرجل الفقير الذي بدأ حياته بائعاً للموز أن يغير مستقبله ومستقبل بلده معاً, وسار بصلابة وإصرار ونزاهة نادرة على نهجه الوطني والسياسي المستقبل الذي ثبتت الأيام صحته بعد أن أصبحت ماليزيا واحدة من الاقتصاديات المهمة في العالم بفعل طفراتها التنموية في مجالات الصناعة والزراعة والسياحة والتقدم العلمي والتقني , وها هو الرجل يعود مجدداً لقيادة بلاده بعد أن بلغ الثالثة والتسعين عاماً لتكتمل عناصر شخصيته الأسطورية , وبدأ حال تسلمه رئاسة الوزراء بكشف ملفات الفساد وملاحقة الفاسدين وإخضاعهم للتحقيق , ليبدأ عهدا جديدا لهذه الدولة التي سبق أن قادها إلى شاطيء الرفاهية والتقدم .

*ماذا وجدت في ماليزيا؟

ماليزيا بلد التعدد العرقي والديني واللغوي والمكونات المتناقضة التي توحدت تحت العلم والهوية الوطنية الواحدة ,وهي بلد التسامح الذي يتجاور فيه المسجد والكنيسة مع المعابد البوذية والهندية , ويندمج فيه جميع المواطنين الماليزيين في بناء وطنهم مع حرصهم على التمسك بأصولهم العرقية والدينية والاحتفال علناً بأعيادهم التي تأخذ أياماًعديدة في السنة ويشارك فيها الجميع من دون عقد ولا تحسس ولا رفض ولا استهزاء ولا أستنكار.
هل تشاهد تاريخك في العراق أو خارجه أفضل ؟
تاريخ الإنسان يبدأ ويتبلور وينضج وينتهي في بلاده مهما كانت ظروفها وصعوبتها وتحدياتها ,ولا أفضل من تمسك الإنسان بوطنه:” وطني لو شُغلتُ بالخُلد عنه نازعتني إليه في الخلد نفسي ” مثلما يقول أمير الشعراء أحمد شوقي , وحتى أولئك الذين اتيحت لهم الفرصة لكتابة تاريخهم في بلدان أخرى , فإنهم يتمنون لو كان تاريخهم هذا في أوطانهم .

هل تغلق عيونك عن أشياء في الحياة ؟
هناك أشياء تقضي أن تغض عنها بصرك خشية واحتساباً, وهناك أشياء ان تسمع بها خيراً من أن تراها!

*كيف تحافظ على التوزان والسيطرة على شخصيتك الايجابية المتفائلة في الحياة ؟
صدقيني أن شخصيتي ( الايجابية المتفائلة ) تنطوي على حزن عظيم , وربما على كآبة
وجودية مزمنة مع سلسلة من الندامات والاحباطات ناتجة في أغلبها عن الثقة الزائدة بالأخرين وحسن الظن بهم والتي قد تصل الى حد السذاجة ,غير أني أحاول قدر الامكان أن أزرع الابتسامة على وجهي وأنا أتعامل مع الناس لأنها مفتاح الدخول إلى قلوبهم ,كما أحث الآخرين على التفاؤل مع أنني في حقيقة الأمر لست متفائلا! –

Leave a Reply