Menu
in

كيف نجحت روسيا بتمرير صفقة ” قره باغ” مقابل ” شبه جزيرة القرم” -وقضايا اخرى ؟

بقلم :- سمير عبيد

#كيف رسمت موسكو جغرافية واهداف النزاع في قره باع!؟
جميعنا نتذكر الزيارات المكوكية التي قام بها رئيس وزراء أرمينيا السيد نيكول بانشيان الى موسكو خلال فترة النزاع الأذربيجاني الأرميني حول أقليم “قره باغ” والتي كان يمارس من خلالها ضغطا هائلا على موسكو شاركه فيه الرئيس الارميني آرمين سركيسيان لكي تُفعل موسكو الأتفاقية الأمنية الموقعه بين روسيا وارمينيا ودوّل اخرى وهي ” دول معاهدةالامن الجامعي”لتقف مع أرمينيا ضد اذربيجان .ولكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان واضحاً مع القيادة الارمينية عندما قال في ٧ أكتوبر ٢٠٢٠ وفِي مقابلة مع القناة الروسية الاولى ( روسيا مستعدة للوفاء بالتزاماتها أمام أرمينيا كحليف في إطار منظمة معاهدة الأمن الجماعي، مشيرا إلى أن الأعمال القتالية الآن لا تجري على أراضيها…. وأضاف بوتين: “للأسف الشديد العمليات القتالية لا تزال مستمرة، وهي لا تدور على أراضي أرمينيا”) .وكان اعترافا ضمنيا بان روسيا لا تتدخل لان الصراع داخل اذربيجان وليس داخل ارمينيا . وهي أشارة روسية بأن على أرمينيا الانسحاب من الاراضي الاذربيجانية (أي انهاء ملف قره باغ بمساعدة روسية ) .

وفِي نفس الوقت هي رسالة الى تركيا واذربيجان معاً بأن أي خرق ضد الاراضي الارمينية سوف يجدون روسيا امامهم. ولهذا لم تصل الحرب لداخل ارمينيا. وانحصرت في اقليم قره باغ الذي هو داخل الأراضي الاذربيجانية وكان هذا بفضل روسيا التي ادارت حدود وجغرافية الصراع ويبدو باتفاق مسبق مع تركيا. والاخيرة كانت بحاجة الى اختبار النوايا الروسية !.

#رائحة صفقة روسية – تركية !
جميعنا كمختصين كنّا نراقب النزاع الذي جرى بين اذربيجان المسلمة وبأكثرية شيعية مطلقة وبعرق اذري تركي ، وأرمينيا النصرانية التي لديها عداء تاريخي مع تركيا حول ملف الابادة الجماعية للارمن عام ١٩١٥ . فكانت هناك غرابة ان أيران الشيعية حليفة لأرمينيا النصرانية ضد اذربيجان الشيعية. ويبررها الايرانيون وحلفائهم بسبب علاقة الاخيرة مع اسرائيل وسياساتها العدائية ضد ايران .وروسيا لديها معاهدة تعاون مع ارمينيا .وتركيا السنية شريك بالحرب ضد ارمينيا النصرانية . لان اذربيجان تلتقي عرقيا ولغويا مع تركيا .
فكان النزاع عبارة عّن ألغاز محيرة في منطقة خطرة للغاية من الناحية الدينية والعرقية والاستراتيحية والاقتصادية .بحيث كانت جميع الدول متوجسه وقلقة من اتساع رقعة النزاع وتحويله لنزاع ديني أو عرقي وحينها سوف يجر الدول نحو حرب اقليمية واسعة لن تنتهي بسهولة !
فكان أكثر المواقف حيرة هو الموقف الروسي، والموقف الايراني وتعاطيهما البارد والهادىء مع النزاع وليس هو تهديد خطير في خاصرتيهما الأستراتيحية. من هنا بدأنا نبحث عّن الأسرار التي جعلت الدولتين في موقف مطمئن وهادىء .وكان السؤال الذي كان يراودنا هو ( هل هناك صفقة سرية ؟) تماشيا مع خارطة عالم مابعد جائحة كورونا ؟.
ولكن عندما انتهى النزاع بهذه الطريقة و بخسارة ارمينيا لأقليم قره باغ داخل الأراضي الاذربيجانيةوالقبول بايقاف الحرب والانسحاب . أتضحت لنا الأمور أن هناك ( اتفاق روسي – تركي ) بعلم ايراني. بأن تمضي تركيا في دعم اذربيجان حتى النهاية اي حتى تحرير منطقة قره باغ من السيطرة الارمينية .ومن هناك تقوم روسيا بتهدئة الايرانيين من جهة. واقناع أرمينيا بالانسحاب من قره باغ من جهة أخرى!ولقد حصل هذا أخيرا .
ويبدو ان القيادة الارمينية شعرت بذلك وحال جواب الرئيس الروسي بوتين لها بأن روسيا تتدخل لصالح أرمينيا حال ما تحارب اذربيجان او اي دولة اخرى الأراضي الارمينية. فكانت اشارة واضحة من بوتين الى القيادة الأرمينية ( أنسحبوا من الأراضي الاذرية ) برعايتنا .وبالفعل اوقفوا القتال، ولَم يلزموا العناد مثلما فعل صدام حسين مرارا ودمر العراق والشعب العراقي بذلك !

#ولكن ماهي أسباب السمسرة الروسية لصالح تركيا في قره باغ !؟
١-القادة الكبار والدول الكبيرة لا تتعامل بردات الفعل البدوية وعلى طريقة صدام حسين الذي دمر العراق والعراقيين بفعل عناده . بل تفتش عّن مصالحها من خلال استغلال أي شيء وحتى وان كان هذا الشيء مؤلما .وجميعنا نتذكر كيف تحملت القيادة الروسية مقتل طياريها وتقطيع اوصالهما بعد اسقاط طائرتهما الروسية من قبل تركيا، وايضا حادثة مقتل السفير الروسي في تركيا .ولكن موسكو اكتفت بالقطيعة وايقاف التعامل الاقتصادي والسياحي ،وعدم التعامل السياسي مع تركيا فقط . بحيث أخجلت القيادة التركية جدا وجعلتها في حيرة من أمرها . بحيث توسل فيما بعد الرئيس التركي اردوغان عند الرئيس الروسي بوتين ليقبل زيارته الى موسكو وتقديم الاعتذار ولَم يقبل بوتين حتى سقط ماء وجه اردوغان تماما حينها سمح له بزيارة موسكو ومع ذلك جعله ينتظر عند باب مكتبه . وبهذا اسقطت القيادة الروسية مراهنة اميركية وغربية على صراع روسي – تركي وقطيعة ابدية بين موسكو وانقرة .

ولكن الرئيس بوتين لم يفعل الاستعداء مع تركيا لانه عرف ومن خلال ميزان المصالح ان عدم الرد ضد تركيا سوف يعطي لروسيا ارباحا كثيرة .وبالفعل حصل على تلك الارباح.بحيث اقتربت تركيا كثيرا نحو روسيا بعد هذا الحادث ، وتوجت بصفقة منظومة صواريخ S400 الروسية لتركيا ، ومشاركة تركيا في مفاوضات استنه الى جانب ايران وروسيا حول الملف السوري، وولادة الهدنة في ادلب السورية …الخ وتوقيع اتفاقيات مهمة بين موسكو وانقره .بحيث باتت تركيا قوية بروسيا وبدأت تشاغب ضد حلف الأطلسي ” الناتو” وهذا أسعد الروس كثيرا . وكذلك باتت تركيا تتشفى بالاتحاد الأوربي اخيرا وهو الذي الذي مارس ضد تركيا وضد عضويتها الكاملة سياسات فوقية وعنصرية واسلامفوبوية ولعقود وهي يستقوي بروسيا ! …….فلم يبقى لروسيا الا خطوة واحدة وهي جر تركيا من الولايات المتحدة نحو روسيا. وحتى هذا الطريق نجحت فيه موسكو بمسافات معينة !

٢- القيادة الروسية تعرف مزاجية الرئيس التركي رجب طيب اردوغان،وتعرف الهوس القومي لديه.وباتت لديها خبره بالتعامل معه . وروسيا تعرف ان تركيا تعاني مثلما تعاني روسيا من خلال عقدة النقص أمام الغرب بانهما دولتان كانتا قويتان، وامبراطوريتان فتريدان العودة الى ماضيهما وقوتهما والغرب يقف حجر عثرة في طريقهما .وبالتالي فأن هذه العقدة تقربهما من بعضهما البعض للمضي في طموحاتهما وتجعلهما متحدين بوجه الغرب !
ناهيك ان القيادة الروسية حريصة جدا على تدجين الرئيس التركي المزاجي العصبي المتوجس . ولزرع الثقة أكثر عند الرئيس التركي أردوغان ذهبت روسيا لدعمه في اعادة السيطرة الاذربيجانية على اقليم قره باغ …..ولكن في ذهن القيادة الروسية جني أرباح استراتيجية من وراء ذلك “في سوريا ، والقوقاز ، وفِي البحر الأسود واوكرانيا ، والاهم في شبه جزيرة القرم” !

٣- هناك مشكلة وخلاف بين موسكو وانقره حول شبه جزيرة القرم وموضوع ( السكان التتر) هناك والذين هم من اصول تركية ويبلغ عددهم مليوني نسمه .لأن روسيا قررت ضم شبه جزيرة القرم اليها في عام ٢٠١٤ وتم نشر قوات روسية في شبه الجزيرة التي تقع على بعد ١٧٣ ميلا عّن خط الأناضول الساحلي في الجهة المقابلة للبحر الاسود وهي موطن المجتمع التتري الذين تربطهم اواصر القومية واللغة والعرق بتركيا، وشكّل هذا صدمة وغضب لدى القيادة التركية في حينها . وللعلم ففي عام 1954، قام خليفة ستالين، نيكيتا خروتشوف بنقل القرم من الجمهورية الاشتراكية السوفيتية الروسية إلى الجمهورية الاشتراكية السوفيتية الأوكرانية “كهدية” لأوكرانيا وبقيت هكذا وان الروس اعادوها لهم ضمن هذا المنطق .ولكن تركيا تقبل انضمامهم لأوكرانيا لكي يكونوا بعيدين عّن روسيا…. ولكن !

بحيث وفِي ١٧ أكتوبر ٢٠٢٠ جددت تركيادعمها لإنهاء الاحتلال الروسي في شبه جزيرة القرم الأوكرانية، وحماية حقوق الإنسان فيها.وجاء ذلك في بيان تركي أوكراني مشترك صدر عقب لقاء وفدي البلدين برئاسة الرئيسين التركي والأوكراني رجب طيب أردوغان، وفولوديمير زيلينسكي والتي وقعت خلال هذه الزيارة شراكة استراتيجية بين تركيا واوكرانيا .وكانت الهدية الاولى من موسكو التي لزمت الصمت حولها لترضي تركيا!وما تلك التصريحات التركية الا تذكير للروس ليمضوا في الاتفاق السري مع تركيا في قره باغ وفهمها الروس تماما !
٤- وجاء الوفاء الروسي الاخير لتركيا من خلال بسط النفوذ الأذربيجاني على أراضي أقليم قره باغ بعد أجبار الجانب الأرميني على توقيع خسارة الحرب هناك والانسحاب من الاراضي الاذربيجانية وحسب اتفاق بين اذربيجان وارمينيا بأشراف روسي. وضمان روسي من خلال تشغيل الشرطة الروسية بين البلدين وفِي اقليم قره باغ لمدة 5 سنوات اضافة لترتيبات اخرى .وهنا استطاعت روسيا ان تهدي تركيا قره باغ مع فتح نافذة فرص لتركيا في المنطقة وصولا الى قزوين. مقابل انهاء الجدل على شبه جزيرة القرم وعدم السماح لحلف الاطلسي استغلال البحر الاسود ضد روسيا .

#الرسالة التركية الذكية !
بحيث ذهبت تركيا وبرسالة ذكية جدا لتنضم الى روسيا والصين بعدم تهنئة الرئيس بايدن واستخدمت نفس العبارة الروسية الصينية وهي ( أننا ننتظر حسم الأمر من المؤسسات الاميركية المعنية بهذا الموضوع ) وهي رسالة ودلاله ان تركيا متقاربة مع المحور الروسي الصيني .مما زاد من غضب الاوربيين ضد تركيا اخيرا بحيث أشعل الغضب وعدم التوازن لدى فرنسا ورئيسها ماكرون وبات لا يفرّق بين النبي محمد واردوغان، ومابين تركيا والاسلام. مما اعطى هدية ثمينه وعلى طبق من ذهب الى الرئيس اردوغان الذي استغلها شعبيا وقوميا ودينيا على المستوى التركي والاسلامي .