عبد الهادي الزعر
” كلنا خرجنا من معطف غوغول ” هكذا صرح الأديب الروسي تورجنيف كلمته المشهرة بحق غوغول دعونا نتعرف ونقلب معطفه الأثير ذلك .. فقد ولد نيكولاي غوغول عام 1809 في مدينة بولتافا الواقعة في قلب بلاد القوقاز المتاخمة للحدود والمعروفة بسهولها الخضراء المزروعة بالكروم وشجاعة أهلها ومرحهم ونهل غوغول منذ صباه تقاليد القوقازيين وتراثهم الفني والملحمي ، وذهب بعد إكماله الدراسة إلى ” سان بطرسبرغ بحثا عن عمل واستقر رأيه على الانصراف للأدب كليا ، تعرف في مطلع حياته على شاعر روسيا الأعظم ” بوشيكن ” الذي لعب دورا كبيرا في تشجيعه وتوجيهه وقد اقترح عليه أن يستلهم التاريخ الروسي، ثم نشر غوغول بواكيراعماله في أول مجموعة عرفت ب ” أمسيات منزل ريفي” وهي تميل نحو الفنتازيا من جهة وبقدرة عظيمة على التجسيد الحسي من جهة أخرى ، ولا تخلوا المجموعة من روح الدعابة وبراعة الوصف .
وفي عام 1832 ظهرت مجموعته الثانية “أقاصيص من ميرغورود ” وهي ذات طابع رومانسي وتوجد ضمن المجموعة قصة اسمها ( فاراس بولبا ) وهي أنموذجا للملحمة التاريخية ، وأما المجموعة الثالثة فكان أبرزها قصة باسم (فاي ) ذات الأجواء الخيالية وأما مجموعة ” حكايات ” التي أصدرها عام ” 1836 ” والتي ضمت رائعته “المعطف ” أيها القراء الأعزاء تعالوا نقلب جنبات ذلك المعطف لنرى مافيه :
تدور أحداث القصة حول موظف صغير مسحوق لكنه متحمس لعمله رغم إن عمله لايدر عليه مايكفي إن يوفر ثمن معطف يقيه برد الشتاء وشيئاً فشيئاً تصبح مسألة شراء المعطف محور حياة ذلك الموظف البائس وحلمه الوحيد الذي يصمم على تحقيقه مهما كلف الأمر وبعد مدة من الحرمان الشديد ينجح في توفير ثمن المعطف ويشتريه ولكن ما أن ينقضي النهار حتى يُسرق منه المعطف العزيز ويذهب الرجل إلى الشرطة شاكياً أمره فيقابله الجميع بالضحك والسخرية والاستهزاء ولايجد أمامه سوى أن يهيم على وجهه حزناً ويأساً ويمضي على هذا الحال حتى يموت بصمت دون أن ينتبه عليه احد لكن روحه تظل تجوب الشوارع والأزقة الفقيرة التي اعتاد أن يرتادها في حياته ، لقد كان بطل غوغول ومعطفه أول صورة تظهر في الأدب الروسي نموذجاً للإنسان الضحية ، الإنسان التعس الذي يتعرض للعسف والاستغلال في ظل نظام اجتماعي فاسد ، إن روح الفكاهة التي يضيفها على بطله، على رغم من مأساويتها تجعل منه واقعياً حياً تجتمع فيه كل تناقضات الحياة ومفارقتها المضحكة المبكية ولهذا أصبحت هذه القصة قريبة لقلوب القراء وابعد أثارا في نفوسهم لقد توقع “غوغول ” أن هذا التعاطف مع البؤساء والمسحوقين علامة مميزة لأدبه وتنبأ بأنها ستكون سمة للأدب الروسي بصورة عامة وقد تحققت نبؤته .