صفا طه العلواني / مركز دراسات الراصد
بعد اخفاقات متتالية للقيادات السياسية القديمية الممثلة للمكون السني في الدفاع عن حقوق ابناء مدنهم وعدم الايفاء بالتزاماتهم ازاء ناخبيهم ، تراجعت حظوظ هذه القيادات في البقاء كممثلين عن مصالح هذه القواعد الشعبية ، وبات مزاج هذه القواعد رافضا الى حد كبير الالتفاف حول هذه القيادات ، اضافة الى هذا الاخفاق يتزامن معه الاخفاق السياسي في الاداء الوطني وتزايد الضغوطات القانونية المتعلقة بهذا الاداء بعد انكشاف العديد من الملفات والمخالفات التي تدين معظم هذه القيادات.
بالمقابل تبرز قيادة معتدلة شابة تتمثل برئيس مجلس النواب الحالي محمد الحلبوسي الذي ينتمي الى جيل جديد من القيادات التي افرزتها مرحلة مابعد ٢٠٠٣ غير متأثر بضغائن الماضي، اذ لم يكن الحلبوسي معارضا سياسيا سابقا ولم يحمل السلاح يوما ضد احد ولم ينتمي او يشكل فصيل سياسي مسلح .
اضافة الى ذلك استطاع الحلبوسي : اعادة الاعتبار والهيبة للسلطة التشريعية بعد ان تراجعت في الدورات السابقة عن الايفاء بمتطلباتها الدستورية ، وانحسار و ضعف دورها وانسياقها للسلطة التنفيذية وهيمنة قادة الكتل السياسية عليها.
ويحسب لرئيس البرلمان ايضا اصراره على معاملة المواطنين العراقيين كافة على قدم المساواة أمام القانون ، وشكل اداة ضغط على القوى السياسية داخل البرلمان، التحرك بسرعة للاستجابة الى مطالب المتظاهرين واقرار قوانين وتشريعات واوامر نيابية تتضمن اصلاحات مهمة مثل قانون الانتخابات وقبلها قانون المفوضية العليا المستقلة للانتخابات وتشكيل مجلس مفوضيها….رغم ان معظم هذه المطالب والاحتجاجات قامت بها شرائح اجتماعية تنتمي الوسط والجنوب.
كما ان الحلبوسي استطاع ان يسهم في تسريع ادماج المجتمعات المحلية في المناطق السنية وفاعليها الاجتماعيين في الدولة ودعم هيبتها، واعادة ثقتهم بالنظام السياسي ، واسهم في فرز المعتدلين عن دعاة النهج المتطرف والرجعي الذي شكل بيئة جاذبة للعنف والارهاب قبل عدة سنوات.
كل هذا الاعتبارات والمقومات للحلبوسي شكلت ازاءه حركة مضادة من قبل من حلّ محلهم من الوجوه المألوفة والشخصيات القديمة ، بصفته رئيساً للبرلمان وممثلاً بحكم الأمر الواقع وطبيعة تحركاته للمصالح السنية في السياسة العراقية.
لايمكن القول ان القوى القديمة ذات الجذور الاسلاموية في وسط وغرب-شمال العراق ستستسلم وتخضع للامر الواقع لانها لازالت تمتلك جذور وامتدادات في العملية السياسية ودعم من القوى الخارجية ولازالت لديها القدرات والاموال في تحريف مسار العملية الانتخابية وتعول كثيرا على التزوير وشراء الاصوات والخطاب الطائفي وصناعة الرعب والخوف من الاخر ودعوات واطروحات الاقلمة والاستقلال. ولهذا تضررت بشكل كبير من طبيعة التحول الذي حصل في الدوائر الانتخابية ونظام اعلى الاصوات للقوائم في قانون الانتخابات، ولهذا لانتوهم ان التطرف من الجانب السياسي الاسلامي التقليدي السني سيندثر ويتلاشى ويضمحل بسرعة .
لكن هنالك امل تطرحه زعامة الحلبوسي كبديل فعلي عن هذه الزعامات لتبنيه منهجا اكثر اعتدالا ، باعتباره قيادة ذات رؤية حوارية قادرة على البقاء هادئة والمضي قدما بالاعتراف بالاختلافات بين مكونات البلد ، ولهذا سوف يكون هناك سبب للتفاؤل لإنهاء الصراع والمماحكات بين السياسيين الأكبر سناً والذي قاد الى تدمير هذا البلد ، وخاصة في المناطق والمدن المحررة، لصالح هذه القيادة الشابة والمعتدلة.